التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم وكانَ في ذلك صلاح لهم

          ░13▒ (بَابُ: إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلاَحٌ لَهُمْ)
          2333- ذكر فيه حديثَ ابن عمر في قصَّة الثَّلاثة الَّذين أَوَوا إلى الغار، وقد سلف غيرَ مرَّةٍ [خ¦2215]، وفي آخره: (وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: فَسَعَيْتُ).
          قلتُ: وعُقبةُ جدُّه، ووالدُه إبراهيم وهو أكبرُ مِنْ أخويه مُوسى ومحمَّد ابني عُقبة بن أبي عيَّاشٍ، قال الجيَّانيُّ: وقع في نسخة أبي ذرٍّ: <إسماعيل عن عُقبةَ>، وهو وهمٌ، وهذا التَّعليق أسندَه البُخارِيُّ في الأدب في باب: إجابة دعاء مَنْ بَرَّ والديه [خ¦5974]، وقد أخرج ابن حِبَّان هذا الحديثَ مِنْ طريق أبي هُرَيرَةَ أيضًا.
          قال المهلَّب: لا تصحُّ هذِه التَّرجمة إلَّا بأن يكون الزَّارِعُ متطوِّعًا، إذْ لا خسارة على صاحب المال؛ لأنَّه لو هلَك الزَّرعُ أو مَا ابتاع له بغير إذنه كان الهلاك مِنَ الزَّارع، وإنَّما يصحُّ هذا على سبيل التَّفضُّلِ بالرِّبح وضمان رأس المال لا عَلى أنَّ مَنْ تعدَّى في مال غيره فاشترى منه بغير إذنه أو زرع به أنَّه يلزم صاحبَه فعلُه، لأنَّ ما في ذمَّته مِنَ الدَّين لا يتعيَّن إلَّا بقبض الأجير له وبِرضاه بعَمَلِه فيه، وقد سلف في الإجارة حكمُ مَنْ تَجَرَ في مَال غيره بغير إذنه فربح، ومذاهبُ العلماء فيه.
          وأجاب ابنُ المُنَيِّرِ بمطابقة التَّرجمة، لأنَّه قد عيَّنَ له حقَّه ومكَّنَه منه وبرئِت ذمَّته منه، فلمَّا ترك القبضَ ووضع المستأجرُ يدَه ثانيًا على الفَرَقِ فهو وضعٌ مستأنَفٌ عَلى مِلك الغير، ثُمَّ تصرُّفُه فيه إصلاحٌ لا تضييع، فاغتُفِر ذلك ولم يُعَدَّ تعدِّيًا، ومع ذلك فلو هلَك الفَرَقُ لكان الزَّارع ضامنًا له؛ إذْ لم يؤذَن له في زراعته، فمقصود التَّرجمة إنَّما هو خلاص الزَّارع مِنَ المعصية، وإنْ تعرَّض للضَّمان، ويدلُّ على أنَّ فِعْلَه كان غيرَ معصيةٍ أنَّه توسَّل به إلى الله _جلَّ وعزَّ_ بناءً على أنَّه أفضلُ الأعمال، وأُقِرَّ على ذلك، ووقعت الإجابة له به، أو يُقال: إنَّ توسُّله إنَّما كان بوفاء الحقِّ عند حضور المستحقِّ مضاعفًا مِنْ قَبِيل حُسن القضاء لا بكونه زَرَعَ الفَرَقَ الْمُسْتَحَقَّ، كما أنَّ الَّذِي جلس بين شُعَبِ المرأة توسَّل بما ذكره مِنَ القيام عنها خوفًا مِنَ الله _تعالى_ لا بجلوسه الأوَّل، فإنَّه معصيةٌ اتَّفاقًا.
          وقوله: (فَتَعِبْتُ حتَّى جَمَعْتُهَا) وفي نسخةٍ: <فَبَغَيْتُ>، وعليها اقتصرَ ابن التِّيْنِ، وقال: أي كسبتُ وطلبتُ، وقلَّما تُستعمل في الخير، وقد جاء في الحديث في شهر رمضانَ: ((يا باغيَ الخير أقبلْ، ويا باغيَ الشَّرِّ أَقصِرْ))، وقال زيد بن عمرٍو:
البِرَّ أَبْغِي لا مَحَالَهْ
          وقال ابنُ فارسٍ: بَغيتُ الشَّيء أبغيه، إذا طلبتُه.
          ووقع هنا: (بِفَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ)، وسلف: ((مِنْ ذُرَة)) وراجعه ممَّا سلف.