شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الخروج إلى المصلى بغير منبر

          ░6▒ باب: الْخُرُوجِ إلى الْمُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ.
          فيه: أبو سَعِيدٍ قَالَ(1): (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأضْحَى إلى الْمُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ(2)، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ على صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ وَيُوصِيهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ)، فقَالَ أَبُو سَعِيدٍ(3): فَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ على ذَلِكَ، حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ(4)، فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ يَرْتَقِيَهُ(5) قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَجَبَذْتُ بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، وَارْتَفَعَ يَخطُبُ(6) قَبْلَ الصَّلاةِ، قُلْتُ(7) لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللهِ، فقَالَ: أَبَا(8) سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ، فَقُلْتُ: مَا أَعْلَمُ(9) وَاللهِ خَيْرٌ مِمَّا لا أَعْلَمُ، فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ(10) لَمْ يَكُونُوا يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَجَعَلْتُهَا(11) قَبْلَ الصَّلاةِ. [خ¦956]
          قال المؤلِّف: قال أشهب في «المجموعة»: خروج المنبر في(12) العيدين واسعٌ إن شاء أخرج وإن شاء ترك. وقال ابن حبيبٍ: قال مالكٌ: لا يخرج المنبر في العيدين من(13) شأنه أن يخطب إلى جانبه، وإنَّما(14) يخطب عليه الخلفاء. قال المُهَلَّب: وبنيان كثير للمنبر يدلُّ على(15) أنَّه لم يكن قبل ذلك(16).
          وفيه أنَّ الصَّلاة قبل الخطبة، وأنَّ الخلفاء الرَّاشدين كانوا على ذلك. وفيه مواجهة الخطيب للنَّاس وأنَّهم بين يديه. وفيه البروز إلى المصلَّى والخروج إليها، وأنَّه من سنَّتها(17) وأنَّه لا يصلَّى في المسجد إلَّا من ضرورة، روى(18) ابن زياد عن مالك قال: السُّنَّة الخروج إليها إلى المصلَّى إلَّا لأهل مكَّة، فالسُّنَّة صلاتهم إيَّاها في المسجد.
          وقوله: (غَيَّرتُمْ وَاللهِ(19)) فقد رُوي عن عثمان بن عفَّان ☺(20) أنَّه فعل ذلك فليس بتغييرٍ. وقد اختلف النَّاس في أوَّل من قدَّم الخطبة في العيدين، فروى ابن نافعٍ عن مالكٍ قال: أوَّل من فعل ذلك عثمان بن عفَّان(21)، وإنَّما صنع ذلك ليدرك النَّاس الصَّلاة، وروى ابن عيينة / عن يحيى بن سعيدٍ عن يوسف بن عبد الله بن سلامٍ(22)، قال: أوَّل من بدأ بالخطبة قبل الصَّلاة عثمان، وروى ابن جُريجٍ عن ابن شهابٍ قال: أوَّل من قدَّم الخطبة قبل الصَّلاة معاوية، وروى سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ قال: أوَّل من بدأ بالخطبة قبل الصَّلاة يوم العيدين(23) مروان.
          وذكر مالكٌ وغيره أنَّ عثمان إنَّما فعل ذلك ليدرك النَّاس الصَّلاة؛ لأنَّهم كانوا يأتون بعد الصَّلاة.
          قال المُهَلَّب: وفي هذا من الفقه أنَّه يحدث للنَّاس أمورٌ بقدر الاجتهاد إذا كان صلاحًا لهم، والأصل في ذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم خطب قبل الجمعة، فترك عثمان وغيره الصَّلاة حتَّى خطبوا لعلَّةٍ أوجبت ذلك من افتراق النَّاس لِسنَّته ◙ في تقديمه الخطبة في الجمعة، فليس بتغيير، وإنَّما ترك فعلٍ بفعلٍ(24)، ولم يترك لغير فعل الرَّسول صلعم، وإنَّما كانت الخطبة في الجمعة قبل الصَّلاة لقوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ}[الجمعة:10]، فعلم النَّبيُّ صلعم(25) من هذه الآية أنَّه ليس بعد صلاة الجمعة جلوسٌ لخطبةٍ ولا لغيرها(26).


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م) و (ق).
[2] زاد في (م) و (ق): ((مقابل الناس فيخطب يوصي الناس)).
[3] قوله: ((وَالنَّاسُ جُلُوسٌ على صُفُوفِهِمْ،.... فقَالَ أَبُو سَعِيدٍ)) ليس في (م) و (ق).
[4] قوله: ((في أضحى أو فطر)) ليس في (م).
[5] في (م) و (ق): ((فأراد مروان يرتقيه)).
[6] في (م) و (ق): ((فارتفع فخطب [في (ق): ((فخطبه)).])).
[7] في (م) و (ق): ((فقلت)).
[8] في (م) و (ق): ((فقال يا با)).
[9] قوله: ((فقلت: ما أعلم)) ليس في (ص).
[10] زاد في (ز): ((لو)) والمثبت من باقي النسخ.
[11] في (ي): ((فجعلها)).
[12] في (ص): ((إلى)).
[13] في (م) و (ق): ((لا يخرجه من)).
[14] في (ص): ((فإنَّما)).
[15] قوله: ((على)) ليس في (ق).
[16] زاد في (م) و (ق): ((فيه)).
[17] في (ق): ((سننها)).
[18] في (م) و (ق): ((وروى علي)).
[19] قوله: ((والله)) ليس في (م) و (ق).
[20] قوله ((☺)) ليس في (م) و(ص).
[21] زاد في (م): ((قال))،و قوله: ((أنه فعل ذلك فليس... عثمان بن عفان)) ليس في (ق).
[22] في (ص): ((عن يوسف عن عبد الله بن سالم)).
[23] في (م) و (ق): ((العيد)).
[24] في (م) و (ق): ((لفعل)).
[25] في (م): ((رسول الله صلعم))، في (ص): ((فعلم الرسول)).
[26] في (م) و (ق): ((غيرها)).