عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: كل لهو باطل إذا شغله عن طاعة الله
  
              

          ░52▒ (ص) باب كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ ترجمتُهُ: (كُلُّ لَهْوٍ باطِلٌ)، وهي لفظ حديثٍ أخرجه أحمد والأئِمَّة الأربعة مِن حديث عُقْبَة بن عامرٍ رفعه: «كلُّ ما يلهو به المرء المسلم باطلٌ إلَّا رَمْيُه بقوسِه، وتأدِيبُه فَرَسَه، وملاعبتُه أهلَه»، ولمَّا لم يكن هذا الحديث على شرطه جعل منه ترجمة، ولم يخرجه في «الجامع».
          قوله: (كُلُّ لَهْوٍ) كلامٌ إضافيٌّ مرفوع على الابتداء، وقوله: (بَاطِلٌ) خبره.
          قوله: (إِذَا شَغَلَهُ) [الضمير المرفوع فيه يرجع إلى (اللهو)، والمنصوب إلى (اللاهي) يدلُّ عليه لفظ (اللَهو)، وقيد بقوله: (إِذَا شَغَلَهُ] عَن طَاعَةَ الله) ؛ لأنَّه إذا لم يشغله عَن طاعة الله يكون مباحًا، وعليه أهل الحجاز، ألا يُرى أنَّ الشارع أباح للجاريتين يومَ العيد الغناء في بيت عائشة مِن أجل العيد، كما مضى في (كتاب [العيدين)، وأباح لها النظر إلى لُعْبِ الحبشة بالحراب في المسجد؟، ووجه ذكر هذا الباب في (كتاب] الاستئذان) مِن حيث إنَّ اللهو / لا يكون إلَّا في المنازل، ومنه القمار فلا يكون إلَّا في منزل خاصٍّ، ودخول المنزل يحتاج إلى الاستئذان.
          (ص) وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ.
          (ش) هذا عطف على ما قبله ومعناه: مَن قال هذا ما يكون حكمه؟.
          قوله: (تَعَالَ) أمرٌ مِن تعالى يَتَعالى تعاليًا، تقول: تَعَالَ تَعَالَيَا تعَالَوا تَعَالَيْ للمرأة، تعاليا تعالَيْن، ولا يتصرَّف منه غير ذلك، وقال الجَوْهَريُّ: ولا يجوز أن يقال منه: تعاليتُ، ولا يُنْهى عنه، وقال غيره: يجوز تعاليتُ.
          (ص) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ} الآية[لقمان:6].
          (ش) هذا هكذا في رواية الأصيليِّ وكريمة، وفي رواية أبي ذرٍّ والأكثرين: <وقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} الآية>، وتمام الآية: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[لقمان:6] ووجه ذكر هذه الآية عقيب الترجمة المذكورة أنَّهُ جعل اللَّهو فيها قائدًا إلى الضلال صادًّا عَن سبيل الله فهو باطل، وقيل: ذكر هذه الآية لاستنباط تقييد اللهو بالترجمة مِن مفهوم قوله تعالى: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} فإنَّ مفهومه أنَّهُ إذا اشتراه لا ليُضلَّ لا يكون مذمومًا، وكذا مفهوم الترجمة أنَّهُ إذا لم يُشغله اللهو عَن طاعة الله لا يكون مذمومًا، كما ذكرناه الآن.
          واختلف المفسِّرون في اللَّهو في الآية؛ فقال ابن مسعودٍ: الغناء وَحَلَف عليه ثلاثًا، وقال: الغناء ينبت النفاق في القلب، وقاله مجاهد أيضًا، وقيل: الاستماع إلى الغناء وإلى مثله مِنَ الباطل، وقيل: ما يلهيه مِنَ الغناء وغيره، وعن ابن جُرَيْج: الطبل، وقيل: الشرك، وعن ابن عَبَّاس: نزلت هذه الآية في رجلٍ اشترى جارية تغنيه ليلًا ونهارًا، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث وكان يتَّجر إلى فارس فيشتري كتب الأعاجم فيحدِّث بها قريشًا، ويقول: إن كان مُحَمَّد يحدِّثكم بحديث عادٍ وثمود؛ فأنا أحدِّثكم بحديث رُسْتُم وبَهرام والأكاسرة وملوك الحيرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن.
          قوله: (لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) أخذ البُخَاريُّ منه قوله في الترجمة: (إذا شغله عَن طاعة الله) والمراد مِن (سبيل الله) القرآن، وقيل: دين الإسلام، وقُرِئَ: {لِيَُضِلَّ} بِضَمِّ الياء وفتحها.