عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: السلام من أسماء الله تعالى
  
              

          ░3▒ (ص) بَابٌ السَّلَامُ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذْكَر فيه: السلامُ مِنَ أسماء الله، وارتفاع (السَّلَامُ) على أنَّهُ مبتدأٌ، وقوله: (مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ) خبره، والتقدير: كائنٌ مِن أسماء الله، قال الله ╡ : {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ}[الحشر:23]، وقال الطِّيبيُّ في تفسير هذا الاسم: السلام: مصدرٌ نُعِتَ به، والمعنى: ذو السلامة مِن كلِّ آفةٍ ونقيصةٍ؛ أي: الذي سلِمَت ذاتُه عن الحدوث والعَيْب، وصفاتُه عن النقص، وأفعالُه عن الشرِّ المحض، فإنَّ ما تراه مِنَ الشرور فهي مقضيَّةٌ، لا لأنَّها كذلك، بل لما يتضمَّنه مِنَ الخير الغالب الذي يؤدِّي تركُه إلى شرٍّ عظيمٍ، فالمقضيُّ والمفعول بالذات هو الخير، والشرُّ داخل تحت القضاء، فعلى هذا يكون مِن أسماء التنزيه، وقال عياضٌ: معنى «السلام اسم الله» أي: كَلْءُ اللهِ عليك وحِفْظُه، كما يقال: الله معك ومصاحبك، وقيل: معناه: أنَّ الله مطَّلعٌ عليك فيما تَفْعل، وقيل: معناه: السلامة؛ كما قال تعالى: {فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[الواقعة:91] وقيل: (السلام) يُطلَق بإزاء معانٍ؛ منها: السلامة، ومنها: التحيَّة، ومنها: أنَّهُ اسمٌ مِن أسماء الله تعالى، وقد تأتي بمعنى السلامة محضًا، وقد تأتي بمعنى التحيَّة محضًا، وقد تأتي متردِّدًا بين المعنَيَين؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}[النساء:94] فَإِنَّهُ يحتمل التحيَّة والسلامة، وقوله تعالى: {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ. سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ}[يس:57-58].
          وهذه الترجمة لفظُ بعض حديثٍ مرفوعٍ، لكن ليس على شرطه؛ فلذلك أورد ما يؤدِّي معناه على شرطه، وهو حديثٌ في التشهُّد فيه: (فإنَّ الله هو السلام)، وثبت في القرآن: {السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ}[الحشر:23] وأخرج البَيْهَقيُّ في «الشُّعَب» عن ابن عَبَّاسٍ موقوفًا: السلام اسم الله، وهو تحيَّة أهل الجنَّة.
          (ص) {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء:86].
          (ش) أشار بهذه الآية الكريمة إلى أنَّ عموم الأمر بالتحيَّة مخصوصٌ بلفظ (السلام) وعليه اتِّفاق العلماء إلَّا ما حكى ابن التين عن بعض المالكيَّة: أنَّ المراد بالتحيَّة في الآية: الهديَّة، وحكى القرطبيُّ أنَّهُ قول الحَنَفيَّة أيضًا.
          قُلْت: نسبةُ هذا إلى الحَنَفيَّة غير صحيحةٍ، وهذا قولٌ يُخالفُ قولَ المفسِّرين، فَإِنَّهُم قالوا: معنى الآية: إذا سلَّم عليكم المُسلِم فرُدُّوا عليه أفضلَ مِمَّا سلَّم، أو ردُّوا عليه بمثل ما سلَّم به، فالزيادة مندوبةٌ، والمماثلة مفروضةٌ، وروى ابن أبي حاتمٍ بإسناده عن عِكْرِمَة عن ابن عَبَّاسٍ قال: مَن سلَّم عليك مِن خلق الله فاردُدْ عليه وإن كان مجوسيًّا؛ ذلك بأنَّ الله يقول: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا}[النساء:86]، وقال قتادة: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} يعني: المسلمين {أَوْ رُدُّوهَا} يعني: لأهل الذِّمَّة، وقال ابن كثيرٍ: وفيه نظرٌ.