عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من ناجى بين يدي الناس ومن لم يخبر بسر صاحبه
  
              

          ░43▒ (ص) بابُ مَنْ نَاجَى بَيْنَ يَدَيِ النَّاسِ، وَمن لَمْ يُخْبِرْ بِسِرِّ صَاحِبِهِ، فَإِذَا مَاتَ أَخْبَرَ بِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ مَن ناجى _أي: خاطب_ غيره وحَدَّث معه سِرًّا بين يَدَي جماعة، يقال: ناجاه يُنَاجِيهِ مُنَاجاةً فهو مُناجٍ.
          قوله: (وَمَنْ لَمْ يُخْبِرْ) أي: وفي بيانِ مَن لم يخبر (بِسِرِّ صَاحِبِهِ) في حياة صاحبه (فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُهُ أَخْبَرَ بِهِ) للغير، والحاصل أنَّ هذه الترجمة مشتملةٌ على شيئين لم يوضِّح الحكم فيهما اكتفاءً بما في الحديث؛ أَمَّا الأَوَّل فحكمُه جواز مساررة الواحدة بحضرة الجماعة، وليس ذلك مِن نهيه عَن مناجاة الاثنين دون الواحد؛ لأنَّ المعنى الذي يُخَاف مِن ترك الواحد لا يُخَاف مِن ترك الجماعة، وذلك أنَّ الواحد إذا سارُّوا دونه وقع بنفسه أنَّهما يتكلَّمان فيه بالسُّوء، ولا يتَّفق ذلك في الجماعة، وأَمَّا الثاني فحكمُه أنَّهُ لا ينبغي إفشاء السِّرِّ إذا كانت فيه مضرَّة على المُسِرِّ؛ لأنَّ فاطمة ♦ لو أخبرت بما أَسَرَّ إليها النَّبِيُّ صلعم في ذلك الوقت؛ يعني: في مرض موته مِن قُربِ أجله؛ لحزنت نساؤه بذلك حزنًا شديدًا، وكذلك لو أخبرتهُنَّ بأنَّها سَيِّدة نساء المؤمنين لعَظُمَ ذلك عليهنَّ واشتدَّ حُزنُهنَّ، ولمَّا أَمِنَت فاطمة بعد موت النَّبِيِّ صلعم / أخبرت بذلك، وهذا حاصل معنى الترجمة المذكورة وبه يتَّضح أيضًا معنى الحديث.