مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: {وعلى الوارث مثل ذلك}

          ░14▒ باب {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233]
          ساق فيه حديث أم سلمة: قلت: يا رسول الله، هل لي من أجر في بني أبي سلمة... الحديث وسلف في الزكاة، وحديث هند السالف.
          اختلف في تأويل قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فعن ابن عباس عليه أن لا يضار، وهو قول الشعبي ومجاهد والضحاك ومالك، قالوا: عليه أن لا يضار، ولا غرم عليه. وقالت طائفة: ما كان على الوارث من أجر الرضاع إذا كان الولد لا مال له. ثم اختلفت هذه الطائفة في من الوارث الذي عناه الله تعالى في الآية على أقوال:
          فقالت طائفة: هو كل وارث للأب، أخاً كان أو عماً أو ابن عم أو ابن / أخ، روي هذا عن الحسن البصري قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] على الرجال دون النساء. وقال آخرون: هو من ورثته من كان ذا رحم محرم للمولود، فأما من كان ذا رحم وليس بمحرم كابن العم والمولى فليس ممن عناه الله تعالى بالآية، هذا قول أبي حنيفة وأصحابه. وقال آخرون: هو المولود نفسه.
          روي عن قبيصة بن ذؤيب والضحاك، وقال آخرون: هو الباقي من والدي المولود بعد وفاة الآخر منهما، وهذا يوجب أن تدخل الأم في جملة الورثة الذين عليهم أجر الرضاع، فيكون عليها رضاع ولدها واجباً إن لم يترك أبوه مالاً، روي هذا عن زيد بن ثابت قال: إذا خلف أمًّا وعمًّا فعلى كل واحد منهما رضاعة بقدر ميراثه. وهو قول الثوري، وإلى رد هذا القول أشار (خ) بقوله: وهل على المرأة منه شيء؟ وتلا الآية الكريمة يعني: من رضاع الصبي ومؤنته، فذكر قوله تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ} [النحل:76]، وشبه منزلة المرأة من الوارث بمنزلة الأبكم الذي لا يقدر على النطق من المتكلم وجعلها كلًّا على من يعولها.
          وذكر حديث أم سلمة، والمعنى فيه أن أم سلمة كانت لها أبناء من أبي سلمة ولم يكن لهم مال، فسألت رسول الله إن كان لها أجر في الإنفاق عليهم بما يعطيها رسول الله، فأخبرها أن لها أجراً في الإنفاق عليهم، فدل أن نفقة بنيها لا تجب عليها، ولو وجبت عليها لم تقل له: ولست بتاركتهم، وليس لها أن نفقتهم واجبة عليها سواء تركتهم أو لم تتركهم.
          وأما حديث هند فإنه ◙ أطلقها على نفقة بنيها من مال الأب، ولم يوجبها عليها كما أوجبها على الأب. فاستدل (خ) أنها لم يلزم الأمهات نفقة الأبناء في حياة الآباء، فكذلك لا يلزمهن بعد موت الآباء.
          ومذهب مالك: أنه لا تجب نفقة الصغير إلا على الأب خاصة، وهو المذكور في قوله: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة:233] وقوله: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء:24] فلما وجب على الأب الإنفاق على من يرضع ولده وجب عليه النفقة على ولده إذا خرج من الرضاع ما دام صغيراً، ووجب أن يغذى بالطعام كما كان يغذى بالرضاع، ولم تجب النفقة على الوارث لما في تأويل الآية من الاختلاف.