الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: كيف يستحلف؟

          ░26▒ (باب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ) بالبناءِ للمفعول؛ أي: كيف يستحلِفُ الحاكمُ من يتوجَّهُ عليه اليمينُ.
          (قَالَ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ} [التوبة:62]) سقط <{لكم}> لأبي ذرٍّ، / والخطابُ للمؤمنين؛ أي: يُقسِمونَ بالله لكم على معاذيرِهم فيما قالوا لتَرضَوا عنهم.
          (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ، عطفاً على محلِّ ((كيف)) ويجوز الرَّفعُ، ولأبي ذرٍّ: <وقولِ اللهِ ╡>.
          ({ثُمَّ جَاءُوكَ}) أي: المنافقون حين يُصابونَ للاعتِذار ({يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ}) وهذه الجملةُ حاليةٌ.
          ({إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً}) أي: ما أرَدْنا بذهابِنا إلى غيرِكَ، وتحاكُمِنا إلى مَن عاداك، إلا الإحسانَ والتوفيقَ؛ أي: المُداراةَ، وزاد لأبي ذرٍّ عن الكشميهنيِّ قولَه: <{وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ}> وقولَه: <{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ}> وقوله: <{فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا}>.
          قال في ((الفتح)): غرَضُه بذِكرِ هذه الآياتِ أنه لا يجِبُ تغليظُ الحَلِفِ بالقولِ، انتهى.
          وقال العينيُّ: غرضُه بذلك الإشارةُ إلى أنَّ أصلَ اليمينِ أن يكونَ بلفظِ اللهِ لِما يُذكَرُ عن قريبٍ، عن عبد الله بنِ مسعودٍ: أنَّ النبيَّ صلعم قال: ((مَن كان حالفاً فلْيَحلِفْ بالله أو لِيَصمُتْ))، انتهى.
          وقد يدُلُّ له قوله: (يُقَالُ: بِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ) جمعَ بين حروفِ القسَمِ الثلاثِ، وقد وردَ بها القرآنُ، قال تعالى: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ} [النمل:49] وقال تعالى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام:32] وقال تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} [يوسف:91].
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم) مما وصله المصنِّفُ عن أبي هريرةَ في باب اليمينِ بعد العصرِ.
          (وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللَّهِ كَاذِباً بَعْدَ الْعَصْرِ) وهذا أحدُ الثلاثةِ الذين لا يكلِّمُهمُ اللهُ ولا ينظُرُ إليهم يومَ القيامةِ ولا يزكِّيهم، ولهم عذابٌ أليم.
          وسيأتي في الأحكام بلفظ: ((فحلَفَ لقد أعطى بها كذا، فصدَّقَه رجلٌ، ولم يُعطَ بها)).
          (وَلاَ يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ) ببناء ((يُحلَفُ)) للمجهول وللمعلوم، وكلاهما في الفرعِ، والذي في أصلِه: الأول للفاعِلِ من كلام المصنِّف.