الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب تعديل كم يجوز

          ░6▒ (بابٌ تَعْدِيلُ كَمْ يَجُوزُ) أي: يصحُّ ويكفي، ويُسمَّى هذا التعديلُ: تزكيةً، و((كم)) استفهاميةٌ، وتمييزُها محذوفٌ؛ أي: كم رجلاً يجوزُ به، و((تعديل)) مصدر: عدَّلَ _بالتشديد_ بمعنى: زكَّى، مُضافٌ لفاعلِهِ، وهو مبتدأٌ، و((باب)) منوَّنٌ على ما في ((الفتح)) ولو تُركَ تنوينُ ((باب)) لكان: ((تعديل)) مضافاً إليه، كما هو الموجودُ في الأصُولِ التي رأيناها.
          قال في ((الفتح)) أي: هل يشترَطُ في قبولِ التعديلِ عددٌ معيَّنٌ؟ قال: وقدَّمتُ في كتاب الجنائزِ عن ابنِ المنيِّرِ أنه قال في ((حاشيةِ ابن بطَّالٍ)): فيه إشارةٌ إلى الاكتفاءِ بتعديلِ واحدٍ.
          وفيه غموضٌ، وكأنَّ وجهَه أنَّ في قوله: ((ثم لم نسأله عن الواحدِ)) إشعاراً بأنَّهم كانوا يعتمدون قولَ الواحدِ في ذلك.
          وسيأتي للمصنِّفِ التصريحُ بالاكتفاءِ في التزكيةِ بواحدٍ، وكأنَّه لم يصرِّحْ به هنا؛ لِما فيه من الاحتمال، انتهى.
          لكنْ في قولِه: وكأنَّ وجهَه... إلخ، شيء؛ لأنه مُستبعَدٌ في هذا المَقامِ العظيم الاكتفاءُ بواحدٍ، فلذا لم يسألوا عنه، فتدبَّرْ.
          وقال في ((التوضيح)) في الباب السابق: قال مالكٌ والشافعيُّ؛ أي: وأحمدُ، ومحمدُ بن الحسَنِ: لا يُقبَلُ في الجرحِ والتعديلِ أقلُّ من رجلين.
          وقال أبو حنيفة وأبو يوسفَ: يُقبَلُ تعديلُ الواحدِ وجرحُه، وصحَّحَه المحدِّثون، وقال فيه أيضاً: إذا اجتمع الجرحُ / والتعديلُ فالجرحُ مقدَّمٌ وإنْ كثُرَ عددُ المعدِّلين على الجارحين عند الجمهور، نعم؛ لا يقبَلُ الجَرحُ إلا مبيَّناً، بخلاف التعديلِ.
          وقال ابنُ بطَّال: اتفقَ مالكٌ والكوفيُّونَ والشافعيُّ على أنَّ الشهودَ اليومَ على الجرحِ حتى تثبُتَ العدالةُ، خلافاً لأبي حنيفةَ في شهودِ النِّكاح، فإنهم عنده على العدالة، انتهى.
          ثم قال نقلاً عن ابنِ بطَّالٍ: واتَّفقوا على أنه لو عدَّلَ رجلان وجَرحَ واحدٌ أنَّ التعديلَ أَولى، وشَرطُ المزكِّي والجارحِ: العَدالةُ، فليُتأمَّل.