الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا شهد شاهد أو شهود بشيء فقال آخرون

          ░4▒ (باب إِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَوْ شُهُودٌ بِشَيْءٍ) أي: إثباتاً (فقال) بالفاء، ولأبي ذرٍّ: <وقال> (آخَرُونَ مَا عَلِمْنَا ذَلِكَ) ولأبي ذرٍّ عن الحمَويِّ والمستمليِّ: <بذلك> (يَحْكُمُ) أي: الحاكمُ المدلولُ عليه بالفعل، ولو بُنيَ للمفعولِ لم يحتَجْ لذلك، فتدبَّرْ، وفي بعض الأصول: <فيَحْكُمُ> (بِقَوْلِ مَنْ شَهِدَ) أي: لأنه مُثبِتٌ، فيُقدَّمُ على النافي.
          قال في ((الفتح)): وهو وفاقٌ من أهلِ العلمِ، إلا من شذَّ، ولا سيَّما إذا لم يتعرَّضْ إلا لنفي علمِه.
          (قَالَ الْحُمَيْدِيُّ) بضم الحاء المهملة، هو عبدُ الله بنُ الزُّبيرِ (هَذَا) أي: الحكمُ بقولِ من شهدَ (كَمَا أَخْبَرَ بِلاَلٌ) أي: ابنُ رباحٍ، مؤذِّنُ رسولِ الله صلعم (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم صَلَّى) أي: نافِلةً (فِي الْكَعْبَةِ) أي: في جَوفِها عامَ الفتحِ.
          (وَقَالَ الْفَضْلُ) بسكون الضاد المعجمة؛ أي: ابنُ العبَّاس، عطفٌ على ((أخبَرَ)) (لَمْ يُصَلِّ) أي: النبيُّ عليه السَّلام (فيها فَأَخَذَ النَّاسُ) أي: الأئمَّةُ (بِشَهَادَةِ بِلاَلٍ) أي: فرجَّحوها على روايةِ الفضلِ؛ لأنَّ فيها زيادةَ علمٍ، والظاهرُ أنَّ هذه الجملةَ من كلام البخاريِّ، وسمَّى إخبارَ بلالٍ بذلك شهادةً تجوُّزاً، واستشكلَ الكرمانيُّ ما هنا بأنَّه ليس من بابِ ما عَلِمْنا.
          وأجاب بأنَّ قولَ الفضلِ: ((لم يصَلِّ)) معناه: ما علمتُ صلاةَ النبيِّ صلعم؛ لأنه كان مشتغلاً بالدُّعاءِ في نواحي البيتِ، فلم يرَه / يصلِّي، فلذا نَفاه؛ عمَلاً بظنِّه.
          (وكَذَلِكَ) أي: الحكمُ بتقديمِ الإثباتِ على النفيِ (إِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ) أي: عدلان (أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ) أي: مثلاً (وَشَهِدَ آخَرَانِ) أي: عدلانِ (بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ يُقْضَى) بالبناء للمفعول جوابُ ((إنْ)) الشرطيَّةِ، ولم يُجزَمْ؛ لأنَّ فعلَ الشرطِ ماضٍ، وفي مثله يحسُنُ الرَّفعُ وإن جاز الجزمُ، كما قال ابنُ مالكٍ في ((ألفيَّتِه)):
وبعدَ ماضٍ رَفعُكَ الخَبَرَ أحسَنُ
          أي: يُحكَمُ (بِالزِّيَادِةَ) يعني: يُحكمُ بألفٍ وخمسمائةٍ، قال في ((التوضيح)): ولا خلافَ أن البيِّنتَين إذا شَهِدَتْ إحداهما بإثباتهِ والأخرى بنَفيِه، وتكافأتا في العدالةِ؛ أنه يؤخَذُ بقولِ من أثبتَ دونَ من نَفى، انتهى.
          ولأبي ذرٍّ: <يُعطَى> بالعين المهملة بدل القاف، وبالطاء المهملة بدلَ الضاد المعجمة، وعليها: فالباءُ في ((بالزيادةِ)) ساقطةٌ أو زائدة؛ لأنَّ عدمَ علمِ الغيرِ لا يُعارِضُ علمَ غيرِه.
          قال في ((الفتح)): واعتُرضَ بأنَّ الشهادتَين اتفقَتا على الألفِ، وانفردَتْ إحداهما بالخمسمِائةِ، والجوابُ: إنَّ سُكوتَ الأخرى عن الخمسمائةِ في حُكمِ نفيها.