الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا عدل رجل أحدًا فقال لا نعلم إلا خيرًا

          ░2▒ (باب إِذَا عَدَّلَ) بتشديد الدال (رَجُلٌ أحداً) ولأبي ذرٍّ عن المستمليِّ: <رجلاً> بدلَ: ((أحداً)) (فَقَالَ) أي: المعدِّلُ (لاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْراً، أَوْ قال: مَا) ولأبوَي الوقتِ وذرٍّ: <أو ما> (عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْراً) <ما الحُكْمُ في ذلك؟> زاد أبو ذرٍّ.
          (وسَاقَ حَدِيثَ الإِفْكِ، فقَالَ النَّبيُّ صلعم لِأُسَامَةَ حِينَ سَأَلَهُ) أي: حين سألَ / النبيُّ صلعم عن أهلِه أسامةَ وعلياً الآتيَ (قال) أي: أسامةُ لا النبي، وأمَّا مَقولُ: ((فقال النبيُّ)) فهو مقدَّرٌ بنحوِ: ما تقولُ؟ أو أستشيرُكَ في أمري، فافهم.
          (أَهْلُكَ) بالرفع والنصب، وسيأتي توجيهُهما (وَلاَ نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْراً) قال في ((الفتح)): لم يقَعْ هذا كلُّه في رواية الباقين، وهو اللائقُ؛ لأنَّ حديثَ الإفكِ قد ذُكرَ في البابِ موصولاً، وإن كانَ اختصَرَه.
          وقال فيه أيضاً: قال ابنُ بطَّالٍ: حكى الطَّحاويُّ عن أبي يوسفَ أنه قال: إذا قال ذلك قبلتْ شهادتُه، ولم يذكُرْ خلافاً عن الكوفيين في ذلك، واحتجُّوا بحديثِ الإفك، وقال مالكٌ: لا يكونُ ذلك تزكيةً حتى يقولَ: رضًى؛ أي: بالقصر، وقال الشافعيُّ: لا يقبلُ التَّعديلَ حتى يقول: هو عدلٌ، وفي قولٍ: عدلٌ عليَّ ولي، ولا بدَّ من معرفة المزكِّي حالَه الباطنةَ، والحجَّةُ لذلك أنه لا يلزَمُ من أنه لا يعلَمَ منه إلا الخيرَ أن لا يكونَ فيه شرٌّ.
          وأما احتجاجُهم بقصَّةِ أسامةَ؛ فأجاب المهلَّبُ بأنَّ ذلك وقعَ في العصرِ الذي زكَّى اللهُ أهلَه، وكانتِ الجُرحةُ فيهم شاذَّةً، فكفى في تعديلهم أن يقالَ: لا أعلمُ إلا خيراً، وأما اليومَ؛ فالجُرحةُ في الناس أغلبُ، فلا بدَّ من التنصيصِ على العدالةِ، قلتُ: لم يبتَّ البخاريُّ الحكمَ في الترجمةِ، بل أوردَها مورِدَ السؤالِ؛ لقوةِ الخلافِ فيها، انتهى.
          وقال القسطلانيُّ: والصحيحُ عند الحنفيَّة أن يقول: هو عدلٌ جائزُ الشهادة، قال ابنُ فرِشْتَه: وإنَّما أضاف إلى قوله: هو عدلٌ قوله: جائزُ الشَّهادةِ؛ لأنَّ العبدَ والمحدودَ في قذفٍ يكونانِ عدلينِ إذا تابا، ولا تُقبلُ شهادتُهما، انتهى.
          وفي ابن الملقِّن: قال محمد بنُ سعيدٍ التِّرمذيُّ: سألَني عبدُ الرحمن بنُ إسحاقَ عن رجلٍ شهِدَ عنده، فزكَّيتُه له، فقال لي: هل تعلمُ منه إلا خيراً؟ فقلتُ: اللهمَّ غُفراً؛ قد أعلمُ منه غيرَ الخير، ولا تسقُطُ بذلك عدالتُه، يُلقي كُناستَه في الطريقِ، وليس ذلك من الخيرِ، فسكَتَ.