الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب حج الصبيان

          ░25▒ (باب حَجِّ الصِّبْيَانِ) أي: جواز حَجِّهم لأنفسهِم، بل ومشروعيَّته.
          قال في ((الفتح)): وكأنَّ الحديث الصَّريح فيه ليس على شرطهِ، وهو ما رواهُ مسلمٌ من طريق كريب عن ابن عبَّاس قال: رفعت امرأةٌ صبيًّا لها فقالت: يا رسولَ الله! ألهذا حجٌّ؟ قال: ((نعم ولك أجرٌ))، انتهى.
          أي: بالحجِّ به وبحمله، والإنفاق عليه، ويكتب للصَّبيِّ أيضاً ثواب ما عملهُ، أو عمل له وليه من سائرِ الطَّاعات، ولا يكتبُ عليه معصيةً إجماعاً، قاله في ((التحفة)).
          وإذا جامع الصَّغير فسدَّ حجه، ومضَى فيه كالكبيرِ، وقضاهُ ولو في صغره.
          وفي ((عمدة المفتي)) للحنفيَّة: حسنات الصَّبيِّ له، ولأبويه أجر التَّعليمِ والإرشادِ، انتهى.
          وقال ابن بطَّال: أجمع أئمَّة الفتوى على سقوطِ الفرض عن الصَّبيِّ حتى يبلغَ؛ إلا أنَّه إذا حجَّ به كان له تطوُّعاً عند مالكٍ والشَّافعي وجماعةٍ من العلماء، وعلى هذا المعنى حمل العلماءُ أحاديثَ الباب.
          تنبيه: يشترطُ في حجِّ الصَّبي المميز أن يأذنَ له وليُّه على ما عليه الجمهورُ، لكن صحَّح في أصل ((الروضة)) إن شاءَ أذن له، وإن شاءَ أحرمَ عنه، وحينئذٍ فيفعل جميع ما يفعله المكلَّفُ في حجهِ أو عمرته.
          وأمَّا الصَّبيُّ الذي لا يميَّز، ومثله المجنونُ فيجوز لوليِّهما أن ينويَ عنهما فيقول: أحرمتُ عنه، ويحضرهما عرفة وسائرَ المواقفِ، ويطوفُ بهما بعد طهارتهما وطهارة الوليِّ، ويصلِّي عنهما سنة الطَّواف، وإذا وجب عليهما دمٌ فهو على الوليِّ، ولا يصيرُ الوليُّ بالإحرام عنهما محرماً حتى يحرِّمَ عليه محرماتُ الإحرام.
          وقال أبو حنيفة: لا يصحُّ إحرامُه ولا يلزمهُ شيءٌ إن فعلَ من محظوراتِ الإحرام، وإنما يحجُّ به، ويجنب محظوراته على وجهِ التَّعليم والتَّمرين كما في صلاتِهِ، وشذَّ من لا يعد خلافه، فقال: إذا حجَّ الصَّبي أجزأهُ عن حجَّة الإسلام؛ لقوله صلعم في حديثِ ابن عبَّاسٍ: ((نعم، ولك أجرٌ)) في جواب: ألهذا حج؟.
          قال الطَّحاوي: ولا حُجَّة فيه لذلك، بل هو حجَّةٌ على خلافهِ؛ لأنَّ ابن عبَّاس راوي الحديث قال: أيُّما غلامٍ حجَّ به أهله ثمَّ بلغ، فعليه حجَّةٌ أخرى، انتهى ملخصاً.
          لكن مذهب الحنفيةَ بخلافه.