الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: لا يحل القتال بمكة

          ░10▒ (باب لاَ يَحِلُّ) أي: لا يجوزُ (الْقِتَالُ بِمَكَّةَ) أي: فيها وحرمها كذلك قياساً عليها، هكذا وقع القتال بالألف في الترجمة في جميعِ الأصُول، وكذا في الحديثِ إلا في روايةٍ لمسلم فإنَّها وقع فيها بلفظ القتل بالفوقية الساكنة، والفرقُ بينهما ظاهرٌ، فأمَّا القتل فنقل بعضُهم الاتِّفاق على جوازِ إقامتهِ في مكَّة إذا أوقعَ موجبه فيها، وخصَّ الخلاف بمن قتل في الحلِّ ثمَّ لجأ إلى الحرم، وممن نقلَ الإجماعَ على ذلك ابن الجوزي.
          وأمَّا القتالُ فيها فقال الماورديُّ: من خصائصِ مكَّةَ أن لا يحارب أهلها حتى لو بغَى أهلها، فإن أمكن ردَّهم بغير قتالٍ لم يجزْ قتالهم، وإن لم يمكن إلَّا بالقتال فقال الجمهور: يقاتلون لأنَّ قتال البغاةِ من حقوقِ الله فلا يجوزُ إضاعتها، وقال آخرون: لا يجوزُ قتالهم بها، بل يضيَّق عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطَّاعة، وسيأتي لذلك تمام البحث.
          (وَقَالَ) بالواو، ولأبي الوقت: بحذفها (أَبُو شُرَيْحٍ) تقدَّم آنفاً، وكذا تعليقه موصولاً قبل باب ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم: لاَ يَسْفِكُ) بكسر الفاء وضمها (بِهَا) أي: بمكَّة (دَماً) بفتح الدال؛ أي: قتلاً بغير حقٍّ، وفي بعض الأصول: <لا يسفك بها دم> ببناء الفعل للمفعول، ووقع ((دم)) بالنيابة عن الفاعل، وفي بعض النُّسخِ: <لا تسفك بها دماً> بتاء الخطاب ولا ناهية.
          قال في ((الفتح)): وجهُ الاستدلال به لتحريمِ القتال من جهة أنَّ القتال يفضي إلى القتلِ، فقد وردَ تحريمُ سفك الدَّمِ بها بلفظ النَّكرةِ في سياق النَّفي فيعمُّ.