الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة

          ░22▒ (باب الْحَجِّ وَالنَّذْرِ) بالإفراد للنَّسفي، ورواهُ الأكثر: <والنذور> بالجمع (عَنِ الْمَيِّتِ) تنازعه المصدران؛ أي: باب بيان حكم حجِّ الإسلام عن الميِّت، وحكم نذر الحجِّ من الميت قبل موتهِ، هل يجبُ على الحيِّ الوفاءُ به أم لا؟ فـ((عن)) بالنسبة للنذر بمعنى ((من))، فافهم.
          (والرَّجُلِ) بالجر عطف على ((الحج))؛ أي: وباب بيان حكم الرجل (يَحُجُّ عَنِ الْمَرْأَةِ) وفي الفرع: <والرَّجل> بالرفع على الابتداء، والجملة بعده خبره، أو الرجل معطوف على باب، وجملة: ((يحج عن المرأة)) حال، فافهم.
          ورأيت في بعضِ الأصولِ الصَّحيحة: <والمرأة تحجُّ عن المرأة> ونبَّه عليها الكرمانيُّ، كما سيأتي.
          واستشكلَ: بأنَّ حديث الباب فيه حجُّ المرأةِ عن مثلها لا الرَّجل عنها، فكان ينبغي أن يقول: والمرأة تحجُّ عن المرأة؛ لتحصلَ المطابقةُ.
          وأجاب في ((التنقيح)) تبعاً لابن بطَّال: بأنه استنبطَ ذلك من قول: ((اقضوا الله))، فإنَّه خاطبها بخطابٍ دخلَ فيه الرِّجال والنساءُ.
          قال ابن بطَّال: لا خلاف أنَّ للرَّجل أن يحجَّ عن المرأة، وكذا المرأةُ عن الرَّجل، فلم يخالفْ في ذلك إلَّا الحسن بن صالح، فإنه قال: لا يجوزُ، واعتلَّ بأنَّ المرأة تلبسُ الثِّياب في الإحرامِ دون الرَّجل.
          قال ابنُ المنذر: وهذه غفلةٌ عن ظاهر السُّنَّة؛ لأنَّ النَّبيَّ عليه السلام أمر المرأةَ أن تحُجَّ عن أبيها، وعلى هذا يعتمدُ من أجازَ الحجَّ عن غيره، انتهى كلامُ ابن بطَّال مفرقاً.
          وقال في ((الفتح)): والذي يظهرُ لي أنَّ البخاريَّ أشارَ بالترجمة: إلى روايةِ شعبة عن أبي بشرٍ في هذا الحديث، فإنَّه قال فيها: ((أتى رجلٌ النَّبيَّ صلعم فقال: إنَّ أختي نذرتْ أن تحجَّ...)) الحديث، وفيه: ((فاقضِ الله فهو أحقُّ بالقضاء)) أخرجه المصنِّف في النذور، وكذا أحمد والنَّسائي، انتهى.
          وأجاب الكرمانيُّ: بأنه يلزمُ منه الترجمة بالطَّريق الأولى، وفي بعضِ التَّراجم: والمرأة تحجُّ عن المرأة، انتهى.
          وأجابَ العينيُّ: بأن المطابقةَ للتَّرجمة في قولها: إن أمِّي نذرَتْ... إلخ وفيه: ((حج عن نذرِ الميِّت)) وهو مطابقٌ للجُزء الأوَّل من التَّرجمة، انتهى.
          ثم اعترضَ على جوابِ ابن بطَّال والكرماني والحافظ ابن حَجر بما ذكره القسطلاني مقلِّداً له.
          وأقول: يردُّ على جوابه: أنَّ الجزء الثاني من التَّرجمة لا يبقى له دليلٌ بخلافهِ على كلام الحافظ، وهذا يقعُ للبخاريِّ كثيراً كما مرَّ غير مرَّة على أنَّ العينيَّ قد أجابَ بذلك غير مرَّةٍ، ولم يتعرَّضْ في ((الفتح)) لبيان محلِّ مطابقة الحديث للجزءِ الأوَّل لظُهُوره.
          وأما ردُّه على الكرمانيِّ وابن بطَّال، فيمكنُ اندفاعُهُ لمن تأمَّل من فحولِ الرِّجالِ، فتأمَّله منصفاً.