الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: لا يشير المحرم إلى الصيد لكى يصطاده الحلال

          ░5▒ (باب لاَ يُشِيرُ الْمُحْرِمُ) أي: إشارةً مفهمةً (إِلَى الصَّيْدِ لِكَيْ يَصْطَادَهُ الْحَلاَلُ) بنصب ((يصطاده)) بـ((كي)) المصدرية، واللام قبلها للتعليل؛ كقوله تعالى: {لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} [الحديد:23] وأصل يصطاد: يصتاد فقلبت التاء طاء.
          قال في ((الفتح)): أشارَ المصنِّفُ إلى تحريمِ ذلك، ولم يتعرَّضْ لوجوب الجزاءِ في ذلك، وهي مسألةُ خلافٍ فاتَّفقوا كما تقدَّم على تحريمِ الإشارةِ إلى الصَّيد ليصطادَ، وعلى تحريمِ سائر وجوهِ الدَّلالات على المحرم، لكن قيَّدهُ أبو حنيفة بما إذا لم يمكن الاصطيادُ بدونها، واختلفوا في وجوب الجزاءِ على المحرم إذا دلَّ الحلالُ على الصَّيدِ بإشارةٍ أو غيرها أو أعانَ عليه.
          فقال الكوفيُّون وأحمد وإسحاق: يضمنُ المحرمُ ذلك.
          وقال مالك والشَّافعي: لا ضمانَ عليه كما لو دلَّ الحلالُ حلالاً على قتل صيدٍ في الحرم قالوا: ولا حُجَّة في حديثِ الباب؛ لأنَّ السُّؤال عن الإعانةِ والإشارة إنما وقعَ ليبيِّن لهم حلَّ أكله أولاً، ولم يتعرَّضْ لذكرِ الجزاء، واحتجَّ الموفق؛ أي: لوجوب الفديةِ بأنَّه قول عليٍّ وابن عبَّاس، ولا نعلمُ لهما مخالفاً من الصَّحابةِ.
          وأُجيب: بأنَّهُ اختلفَ فيه على ابن عبَّاس، / وفي ثبوتهِ عن عليٍّ نظرٌ، ولأنَّ القاتل انفردَ بقتله باختيارهِ مع انفصالِ الدال عنه فصار كمَن دلَّ محرماً أو صائماً على امرأةٍ فوطئها، فإنَّه يأثمُ بالدَّلالة، ولا يلزمهُ كفَّارةٌ ولا يفطرُ بذلك، انتهى.
          لكن قال في ((الهداية)) للحنفيَّة: ولا بأسَ أن يأكلَ المحرمُ لحم صيدٍ اصطادهُ حلالٌ وذبحهُ إذا لم يدلَّ المحرمُ عليه، ولا أمرهُ بصيدِهِ خلافاً لمالكٍ، انتهى.