نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: من أهدي له هدية وعنده جلساؤه فهو أحق

          ░25▒ (بابُ) بالتنوين (مَنْ أُهْدِيَ لَهُ هَدِيَّةٌ) بضم الهمزة، على البناء للمفعول، ورفع هدية على أنه نائب عن الفاعل (وَعِنْدَهُ جُلَسَاؤُهُ) جملة حاليَّة، والجلساء جمع: جليس، بمعنى المجالس.
          (فَهْوَ أَحَقُّ) جواب «مَنْ» أي: الذي أهدي إليه أحقُّ بالهديَّة من جلسائه؛ يعني: لا يشاركون معه (وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ جُلَسَاءَهُ شُرَكَاءُه. وَلَمْ يَصِحَّ) لمَّا كان وضع ترجمة الباب يخالف ما روي عن ابن عبَّاسٍ ☻ من أنَّ جلساءه شُركاؤه أشار إليه بصيغة التَّمريض بقوله: ويذكر... إلى آخره، ولم يكتف به حتَّى أكَّده بقوله: ولم يصح هذا عن ابن عباس ☻ ، ويحتمل أن يكون المعنى ولم يصحَّ في هذا الباب شيءٌ.
          ولهذا قال العقيليُّ: لا يصحُّ في هذا الباب عن النَّبي صلعم ، وقد روي هذا عن ابن عباس ☻ مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف أصلحُ إسنادًا من المرفوع.
          أمَّا المرفوع فرواه البيهقيُّ من حديث محمد بن الصَّلت: حَدَّثَنَا مَنْدل بن علي، عن ابن جُريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عبَّاس ☻ قال: قال رسول الله صلعم : ((من أُهديت له هديَّة وعنده ناسٌ فهم شُركاؤه فيها)) ومندلُ بنُ علي: ضعيفٌ.
          ورواه عبد الرَّزَّاق أيضًا: عن محمد بن مسلم، عن عَمرو، عن ابن عبَّاس ☻ ، ورواه أيضًا عبد بن حميد من طريق ابن جُريج عن عَمرو بن دينار، عن ابن عبَّاس ☻ مرفوعًا ولفظه: ((وعنده قوم)).
          واختلف على عبد الرَّزَّاق عنه في وقفه ورفعه، والمشهور عنه الوقف وهو أصحُّ الرِّوايتين عنه، وله شاهدٌ مرفوعٌ من حديث الحسن بن عليٍّ ☻ في «مسند إسحاق بن راهويه»، وآخر عن عائشة ♦ عند العقيليِّ، وإسنادهما ضعيفٌ؛ كما قال الحافظ العسقلانيُّ.
          وقال ابن بطَّال: لو صحَّ حديث ابن عبَّاس ☻ لحمل على النَّدب عند العلماء فيما خفَّ من الهدايا، وما جرت العادة فيه بترك المشاحَّة، / فأمَّا مثل الدُّور والمال الكثير فهو أحقُّ بها.
          ثمَّ ذكر حكاية أبي يوسف القاضي: أنَّ الرشيد أهدى إليه مالًا كثيرًا وهو جالسٌ مع أصحابه، فقيل له: قال رسول الله صلعم : ((جلساؤكم شرُكاؤكم))، فقال أبو يوسف: إنَّه لم يرد في مثله، وإنَّما ورد فيما خفَّ من الهدايا من المآكل والمشارب.
          ويروى من غير هذا الوجه: أنَّه كان جالسًا وعنده أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، فحضر من عند الرَّشيد طبق وعليه أنواع من التُّحف المثمَّنة فروى أحمد أو يحيى هذا الحديث، فقال أبو يوسف: ذلك في التَّمر والعجوة، يا خازن ارفعه.