إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله

          6633- 6634- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) بن أبي أويس (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مَالِكٌ) هو الإمام الأعظم (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بنِ مسلم الزُّهريِّ (عَنْ عُبَيْدِ اللهِ) بضم العين (بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ) بضم العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة (ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) الجهنيِّ المدنيِّ، من مشاهيرِ الصَّحابة ☺ (أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ) لم يسمَّيا (اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلعم فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ) تعالى (وَقَالَ الآخَرُ _وَهْوَ أَفْقَهُهُمَا_) جملة معترضةٌ لا محلَّ لها من الإعراب، وإنَّما كان أفقَه لحسن أدبهِ باستئذانهِ أولًا، أو(1) أفقه في هذه القصَّة لوصفها على وجهها، أو كان أكثر فقهًا في ذاته: (أَجَلْ) بفتح الهمزة والجيم وسكون اللام مخفّفة، أي: نعم (يَا رَسُولَ اللهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللهِ) ╡ (وَائْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ قَالَ) له صلعم : (تَكَلَّمْ) بما في نفسك (قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيْفًا) بالعين المفتوحة والسين المكسورة المهملتين وبعد التحتية الساكنة فاء، فعيل بمعنى مفعول (عَلَى هَذَا) و«على» بمعنى اللَّام، أي: أجيرًا لهذا، أو بمعنى عند، أي: أجيرًا عند هذا، أو أجيرًا على خدمةِ هذا، فحذفَ المضاف (_قَالَ مَالِكٌ) الإمام ☼ : (وَالعَسِيفُ الأَجِيرُ_ زَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَأَخْبَرُونِي) أي: العلماء (أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِئَةِ شَاةٍ وَجَارِيَةٍ) فـ «مِن» للبدَليَّة، زادَ أبو ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”لي“ (ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ العِلْمِ) كان يُفتي في الزَّمن النَّبويِّ الخلفاء الأربعة، وأُبيّ، ومعاذ، وزيد بن ثابت الأنصاريُّون، فيما ذكره العذريُّ(2) بلاغًا (فَأَخْبَرُونِي أَنَّ مَا عَلَى ابْنِي) «ما» موصول بمعنى الَّذي والصِّلة «على ابني» أي: الَّذي استقرَّ على ابني(3) (جَلْدُ مِئَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ) أي: ولاء لمسافة القصر؛ لأنَّ المقصود إيحاشه بالبعدِ عن الأهل والوطن (وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَتِهِ‼، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أَمَا) بتخفيف الميم، وهي ساقطةٌ للكُشمِيهنيِّ (وَالَّذِي) أي: وحقُّ الَّذي (نَفْسِي بِيَدِهِ) فـ «الَّذي» مع صلتهِ وعائدهِ مُقْسَم به، وجوابُ القسمِ(4): (لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا / بِكِتَابِ اللهِ) أي: بما تضمَّنه كتاب الله، أو بحكم(5) الله، وهو أولى؛ لأنَّ الحكم فيه التَّغريبُ، والتَّغريب ليس مذكورًا في القرآن (أَمَّا(6) غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ) أي: فمردودةٌ، فأطلق المصدر على المفعول، نحو: ثوب نسج اليمين(7)، أي: منسوجُ اليمين (وَجَلَدَ ابْنَهُ) بالنَّصب على المفعوليَّة، وفي نسخة: ”وجُلد“ بضم الجيم مبنيًّا للمفعول ”ابنُه“ رفع نائب عن الفاعلِ (مِئَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا، وَأُمِرَ) بضم الهمزة (أُنَيْسٌ) بضم الهمزة وفتح النون والرفع نائب عن الفاعل، ابن الضَّحَّاك (الأَسْلَمِيُّ) صفةٌ، ولأبي ذرٍّ: ”أَمر“ بفتح الهمزة ”أنيسًا“ نصب على المفعوليَّة ”الأسلميَّ“ (أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الآخَرِ) فيعلمها بأنَّ هذا الرَّجل قذفَها بابنهِ فلها عليه حدَّ القذفِ فتطالبه به أو تعفو (فَإِنِ اعْتَرَفَتْ) بالزِّنا (رَجَمَهَا) لأنَّها محصنةٌ، وللكُشمِيهنيِّ(8): ”فارجمها“ فذهبَ إليها أُنيسٌ فسألها (فَاعْتَرَفَتْ) به(9) فأخبر النَّبيَّ صلعم بذلك (فَرَجَمَهَا) أي: فأمرَ برجمها، فرُجمتْ.
          وفيه أنَّ مطلقَ الاعتراف يوجبُ الحدَّ، وهو مذهب مالك والشَّافعي لقولهِ صلعم لأُنَيس: «فإن اعترفتْ فارجمها» فعلَّق الرَّجم على مجرَّد الاعتراف، وإنَّما كرَّره على ماعز، كما في حديثه؛ لأنَّه شكَّ في عقلهِ، ولهذا قال له: «أبكَ جنون؟» [خ¦6815] وقال الحنفيَّة: لا يجب إلَّا بالاعترافِ في أربعةِ مجالس، وقال أحمدُ: أربعٌ في مجلس أو مجالس.
          والغرضُ من حديث الباب قولُه صلعم : «أما والَّذي نفسِي بيدِهِ لأقضينَّ» ويأتي إن شاء الله تعالى في «الحدودِ» [خ¦6827] وقد ذكره المؤلِّف في مواضع كثيرة مختصرًا في «الصلح» [خ¦2695] و«الأحكام» [خ¦7193] و«الوكالة» [خ¦2314] و«الشُّروط» [خ¦2724] و«الشَّهادات» [خ¦2649] وغيرها.


[1] في (ص): «و».
[2] في (ع): «الفَـِرَبْريِّ».
[3] في (ص): زيادة «أي ثبت على ابني». وقوله: «ما موصول ... على ابني» في (د) تأتي بعد قوله: «عن الأهل والوطن» الآتي.
[4] في (د): «والجواب للقسم».
[5] في (د): «أي بحكم».
[6] في (ص): «إنما».
[7] في شرح ابن بطال والعمدة وغيره «اليمن» وكذا الموضع التالي.
[8] في (ص): «لأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ».
[9] في (ع) و(د): «فأقرّت».