إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}

          ░14▒ هذا (بابٌ) بالتَّنوين في قولهِ تعالى في سورة(1) البقرة: ({لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}) ما(2) يجري على اللِّسان من غير قصدٍ للحلفِ، نحو: لا والله، وبلى والله ({وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}) يُعاقبكم بما اقترفتْه قلوبُكم من إثمِ القصدِ إلى الكذبِ في اليمين، وهو أن يحلفَ على ما يعلم أنَّه خلاف ما يقوله، وهو اليمينُ الغموس، وتمسَّك الشَّافعيُّ ☼ بهذا النَّصِّ على وجوب الكفَّارة في اليمين(3) الغَموس؛ لأنَّ كسب القلبِ العزمُ والقصدُ، فذكر المؤاخذة بكسبِ القلب. وقال في آية المائدة: {وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}[المائدة:89] وعقدُ اليمين محتملٌ لأن يكون المراد منه عقد القلبِ به، ولأن يكون المرادُ به العقد الَّذي يُضادّه(4) الحلُّ، فلمَّا ذكر هنا قوله: {بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} علمنا أنَّ المراد من ذلك العقد هو عقدُ القلب، وأيضًا ذكر / المؤاخذة هنا، ولم يبيِّن تلك المؤاخذة ما هي، وبيَّنها في آيةِ المائدة بقولهِ: {وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ}[المائدة:89] فبيَّن أنَّ المؤاخذةَ هي الكفَّارة، فكلُّ مؤاخذةٍ من هاتين الآيتين مجملةٌ من وجه مُبيَّنة من وجهٍ آخر، فصارت كلُّ واحدةٍ منهما مفسِّرة للأخرى من وجهٍ، وحصلَ من كلِّ واحدةٍ منهما أنَّ كلَّ يمينٍ ذُكر(5) على‼ سبيلِ الجِدِّ وربْطِ القلبِ به(6)، فالكفَّارة فيها، ويمين الغَموس كذلك، فكانت الكفَّارة واجبةً فيها ({وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ}[البقرة:225]) حيث لم يؤاخذكُم باللَّغو في أيمانكُم، وسقط لأبي ذرٍّ من قولهِ «{وَلَكِن}...» إلى آخره، وقال: ”الآيةَ“.


[1] «سورة»: ليست في (ع) و(ص) و(د).
[2] في (ص) و(د): «بما».
[3] «اليمين»: ليست في (د).
[4] في (ب): «يضادد»، وفي (د): «يضادّ».
[5] في (ب) و(س): «ذكرت».
[6] في (ب) و(س): «بها».