إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

قول الله تعالى: {لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم}

          ░1▒ (قَوْلُ اللهِ تَعَالَى) بالرَّفع، وفي نسخة: ”باب قول الله تعالى“: ({لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ}) مصدر لغَا يَلْغو لغوًا، والباء فيه متعلِّقةٌ بـ {يُؤَاخِذُكُمُ} ومعناها السَّببيَّة، واللَّغو السَّاقط الَّذي لا يُعتدُّ به من كلامٍ وغيره، ولغو اليمين السَّاقط الَّذي لا يعتدُّ به(1) في الأيمان. قال إمامُنا الشَّافعيُّ وغيره: هو قول الرَّجل في عُرْض حديثهِ: «لا والله»، و«بلى والله» من غيرِ قصدٍ لها، وقيل: هو أن يحلفَ على شيءٍ يرى أنَّه صادقٌ ثمَّ يظهرُ أنَّه خلافُ ذلك، وبه قال أبو حنيفة: والمعنى: لا يُعاقبُكم بلغو اليمين الَّذي يحلفُهُ أحدُكم ({وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ}) أي: بتعقيدِكم الأيمان وهو توثيقُها، والمعنى: ولكنْ يُؤاخذكم بما عقَّدْتم إذا حنثتُم، فحذفَ وقت المؤاخذَةِ؛ لأنَّه كان معلومًا عندَهم، أو بنكثِ ما عقَّدْتُم، فحذفَ / المضاف ({فَكَفَّارَتُهُ}) أي: فكفَّارة الحنثِ الدَّالِّ عليه سياق الكلام وإن لم يَجْرِ له ذكرٌ، أو فكفَّارة(2) نكثهِ، فتكون «ما» موصولة اسميَّة، وهو على حذفِ مضافٍ، كما قدَّره الزَّمخشريُّ، والكفَّارة الفعلة الَّتي من شأنها أنْ تسترَ الخطيئة ({إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}) {إِطْعَامُ} مصدرٌ مضاف لمفعولهِ، وهو أن يملكَ كلُّ واحدٍ منهم مدًّا من حبٍّ من غالبِ قوتِ بلده ({مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ}) عطف على {إِطْعَامُ} والمراد: ما يسمَّى كسوة ممَّا يعتادُ لبسه كعَرَقِيَّة ومنديلٍ، ولو ملبوسًا لم تذهبْ قوته، ولو لم يصلحْ للمدفوعِ إليه كقميصِ صغيرٍ وعمامته وإزاره وسراويله(3) لكبيرٍ، وكحريرٍ لرجل، لا نحو خفٍّ ممَّا لا يسمَّى كسوةً كدرعٍ من حديدٍ ونحوه ({أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}) عطفٌ على {إِطْعَامُ} وهو مصدرٌ مضاف لمفعوله، أي: أو إعتاق رقبةٍ مؤمنةٍ بلا عيبٍ يخِلُّ بالعملِ والكسبِ، و«أو» للتَّخيير ({فَمَن لَّمْ يَجِدْ}) إحدى الثَّلاث، أو كان غيرَ رشيدٍ ({فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ}) ولو مفرَّقة ({ذَلِكَ}) المذكور ({كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ}) وحنثتُم ({وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ}) فبرُّوا فيها، ولا تحنثُوا إذا لم يكنِ الحنثُ خيرًا، أو فلا تحلفُوا أصلًا ({كَذَلِكَ}) مثلُ ذلك البيان ({يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ}) أعلام شريعتهِ وأحكامه ({لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة:89]) نعمتَهُ فيها، يُعلِّمكم ويسهّلُ عليكم المخرجَ منه، وسقط لأبي ذرٍّ قوله‼ «{وَلَـكِن يُؤَاخِذُكُم}...» إلى آخره، وقال: ”الآيةَ إلى قولهِ: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}“.


[1] قوله: «من كلام ... لا يعتدّ به»: ليس في (د).
[2] في (ع) و(ص): «فكفارته».
[3] في (ع) و(ص): «سراويل».