إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت

          2679- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أبو سلمة المنقريُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ) ابن أسماء (قَالَ: ذَكَرَ نَافِعٌ) مولى ابن عمر (عَنْ عَبْدِ اللهِ) أي: ابن عمر بن الخطَّاب ( ☺ ) وعن أبيه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ: مَنْ كَانَ حَالِفًا) أي: من أراد أن يحلف (فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ) أي: باسم الله أو صفة من صفاته (أَوْ لِيَصْمُتْ) بضمِّ الميم، وزاد في «التَّنقيح»: وكسرها قال في «المصابيح»: يعني: أنَّه مضارع ثلاثيٌّ أو رباعيٌّ، يقال: صَمَتَ يَصْمُتُ صَمْتًا وصُموتًا وصُماتًا، سكت، وأصْمَتَ مثله، كذا في «الصِّحاح» ولكن الشَّأن في الضَّبط من جهة الرِّواية. انتهى. ولم أره في الأصول الَّتي وقفت عليها إلَّا بالضمِّ، أي: ”أو ليسكت“ كما في بعض الرِّوايات، والمعنى: فلا يحلف أصلًا، وفيه: أنَّ الحلف بالمخلوق _لا لسبق لسان_ مكروهٌ، كالنَّبيِّ والكعبة وجبريل والصَّحابة، وفي «الصحيحين»: «إنَّ الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم» [خ¦6108] وعند النَّسائيِّ وصحَّحه ابن حبَّان: «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمَّهاتكم، ولا تحلفوا إلَّا بالله». قال الإمام: وقول الشَّافعيِّ: «أخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية» محمولٌ على المبالغة في التَّنفير من ذلك، فلو حلف به لم ينعقد يمينًا، كما صرَّح به في «الرَّوضة» فإن اعتقد في المحلوف بغير الله ما يعتقده في الله كفر، أمَّا إذا سبق لسانه إليه بلا / قصد فلا كراهة، بل هو لغو يمين، وعليه يُحمَل حديث الصَّحيحين في قصَّة الأعرابيِّ الَّذي قال: لا أزيد على هذا ولا أنقص: «أفلح وأبيه إن صدق» [خ¦46] [خ¦2678] أو هو على حذف مضافٍ، أي: وربِّ أبيه، أو هو قبل النَّهي، وضُعِّفَ، لأنَّه يحتاج إلى التَّاريخ. فإن قلت: قد أقسم الله تعالى ببعض مخلوقاته كاللَّيل والشَّمس؟ أُجيبَ: بأنَّ الله تعالى له(1) أن يقسم بما شاء من مخلوقاته تنبيهًا على شرفها.
          وبقيَّة مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في «كتاب الأيمان والنذور» [خ¦6646].


[1] في (م): «بأنَّ لله تعالى».