إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب القرعة في المشكلات

          ░30▒ (بابُ) مشروعية (القُرْعَةِ فِي) الأشياء (المُشْكِلَاتِ) الَّتي يقع النِّزاع فيها بين اثنين أو أكثر، ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”مِن“ بدل ”في“ أي: لأجل المشكلات كقوله تعالى: {مِنْ خَطَايَاهُم}[العنكبوت:12] أي: لأجل خطاياهم (وَقَوْلِهِ) زاد أبو ذرٍّ: ”╡“ أي: في قصَّة مريم: ({إِذْ يُلْقُون}) أي: حين يلقون ({أَقْلاَمَهُمْ}) أقداحهم للاقتراع، وقِيل: اقترعوا بأقلامهم الَّتي كانوا يكتبون بها التَّوراة تبرُّكًا ({يُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}[آل عمران:44]) متعلِّق بمحذوف دلَّ عليه {يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ} أي: يلقونها ليعلموا أيُّهم / يكفلها، أي: يضمُّها إلى نفسه ويربِّيها رغبة في الأجر، وذلك لمَّا وضعتها أمُّها حنَّة وأخرجتْها في خرقتها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى بن عمران، وهم يومئذٍ يلون من بيت‼ المقدس ما يلي الحجبةُ من الكعبة، فقالت لهم: دونكم هذه النَّذيرة، فإنِّي حرَّرتها، وهي ابنتي، وأنا لا أردُّها إلى بيتي، فقالوا: هذه ابنة إمامنا، وكان عمران يؤمُّهم في الصَّلاة، فقال زكريَّا: ادفعوها إليَّ فإنَّ خالتها تحتي، فقالوا: لا تطيب نفوسنا، هي ابنة إمامنا، فعند ذلك اقترعوا عليها (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اقْتَرَعُوا، فَجَرَتِ الأَقْلَامُ) الَّتي ألقوها في نهر الأردنِّ (مَعَ الجِرْيَةِ) بكسر الجيم، أي: جرية الماء إلى الجهة السُّفلى (وَعَالَ) بعين مهملة، وبعد الألف لام، أي: ارتفع (قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الجِرْيَةَ) فأخذها وضمَّها إلى نفسه، وللأَصيليِّ: ”وعالى“ بألف بعد اللام، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنِيِّ: ”وعدا“ بالدَّال بدل اللَّام كذا في الفرع وأصله، وقال في «فتح الباري»: وفي رواية الكُشْمِيهَنِيِّ: ”وعلا“ ، أي: بعينٍ فلامٍ فألفٍ، من العلوِّ، قال: وفي نسخة: ”وعدا“ بالدَّال، وهذا(1) وصله ابن جريرٍ بمعناه (فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّاءُ).
          (وَقَوْلِهِ) تعالى بالجرِّ عطفًا على «قوله» الأوَّل في قصَّة يونس: ({فَسَاهَمَ}) قال ابن عبَّاس فيما أخرجه ابن جرير: أي: (أَقْرَعَ، {فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ}[الصافات:141]) قال ابن عبَّاس أيضًا فيما أخرجه ابن جرير: أي: (مِنَ المَسْهُومِينَ) وأشار المؤلِّف بما ذكره من قصَّة مريم ويونس ╨ إلى الاحتجاج بصحَّة الحكم بالقرعة، وهو مبنيٌّ على أنَّ شرع مَن قبلنا شرعٌ لنا إذا لم يَرِد ما يخالفه (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ ممَّا وصله قريبًا في «باب إذا تسارع قوم في اليمين» [خ¦2674] (عَرَضَ النَّبِيُّ صلعم عَلَى قَوْمٍ اليَمِينَ، فَأَسْرَعُوا) إلى اليمين (فَأَمَرَ) صلعم (أَنْ يُسْهِمَ بَيْنَهُمْ) بكسر هاء «يسهِم» أي: يقرع (فِي اليَمِينِ، أَيُّهُمْ يَحْلِفُ) قبل الآخر؟ وفيه دلالةٌ لمشروعيَّة القرعة على ما لا يخفى.


[1] في (ص): «كذا».