التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عسب الفحل

          ░21▒ (بَابُ: عَسْبِ الفَحْلِ)
          2284- ذكر فيه حديثَ ابن عمر: (نَهَى رَسُولُ اللهِ _صلعم_ عَنْ عَسْبِ الفَحْلِ).
          هذا الحديث مِنْ أفراده، وأغربَ الحاكم / فاستدركه وقال: إنَّه صحيحٌ على شرطه، وانفردَ مسلمٌ بإخراجِه مِنْ حديث جابرٍ: نهى النَّبِيُّ _صلعم_ عن بيع ضِراب الجمل. وهو ماؤه، ويقالُ: ضرابُه، ويقالُ: أُجرةُ مائِه فيَحرُم ثمنُ مائه، وفي أجرته وجهان: أصحُّهما نعم، وقال ابن بَطَّالٍ: اختلف العلماء في تأويل هذا الحديث فكرهت طائفةٌ أن يُستأجر الفحلُ ليُنْزِيَهُ مدَّةً معلومة بأجرٍ معلومٍ، ذُكِر ذلك عن أبي سعيدٍ والبراء، وذهب الكُوفِيُّون والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ إلى أنَّه لا يجوز عَسْبُ الفحل، واحتجُّوا بحديث الباب، وقالوا: هو شيءٌ مجهولٌ لا ندري أَيُنتفَعُ به أم لا، وقد لا يُنزِلُ. وقال عطاء: لا تأخذ عليه أجرًا ولا بأس أن تعطيَ الأجرَ إذا لم تجد مَنْ يُطرِقُكَ.
          وفي التِّرْمِذِيِّ عن أنسٍ: ((أن رجلًا مِنْ كلابٍ سألَ رَسُول الله _صلعم_ عن عسْب الفحل فنهاه؛ فقال: يا رَسُول الله، إنَّا نُطرق الفحلَ فنُكرَمُ، فرخَّصَ له في الكرامة)) ثم قال: حسن غريب. وعن أبي عامر الهَوزنيِّ، عن أبي كَبْشَة الأَنْماريِّ أنَّه أتاه فقال: أَطرِقْنِي فرسَك، فإنِّي سمعتُ رَسُول الله _صلعم_ يقول: ((مَنْ أَطرقَ فرسًا فعقَّبَ له كان له كأجر سبعين فرسًا حَمَل عليها في سبيل الله، وإن لم يُعقِّب كان له كأجر فرس حَمَل عليها في سبيل الله)) رواه ابن حِبَّان في «صحيحه»، ومعنى أطرِقني: أعرني فرسك للإنزاء.
          ورخَّص فيه الحسن وابن سِيْرِيْنَ، وأجازه مالكٌ مدَّةً معلومة، واحتجَّ الأَبْهَريُّ بأنَّها بيع منفعةٍ، وكلُّ ما جاز للإنسان أن ينتفع به جاز أن يهَبَه ويعاوض عليه، غير الوطء خاصَّة، وأمَّا الَّذي لا يجوز أخذُ العِوَض عليه ما لا يجوز فعله ممَّا هو منهيٌّ عنه، كبيع الخمر وشبهه مِنَ الأعيان المحرَّمة والمنافع الممنوعة، قال: ومعنى نهيه عن عَسْب الفحل هو أن يُكرِيَه للعُلُوقِ؛ لأنَّ ذلك مجهولٌ لا يُدرَى متى يَعْلَقُ، ولا يجوز إجارة المجهول كما لا يجوز بيعُه، قال: فأمَّا إذا كان إلى أجلٍ معلوم أو نَزَواتٍ معلومة فلا بأس بذلك.
          قال صاحب «الأفعال»: أعسَبَ الرَّجلُ عَسْبًا، أكرى منه فحلًا يُنزِيه. قال أبو عليٍّ: عن أبي ليلى: ولا يتصرَّف منه فِعلٌ يقال: قطع الله عَسْبَهُ، أي ماءه ونسلَه، ونقل ابنُ التِّيْنِ عن أصحاب مالكٍ أنَّ معنى (عَسْبِ الفَحْلِ): أن يَتَعدَّى عليه بغير أجر، وقالوا: ليس بمعقول أن يُسمَّى الكِراء عَسْبًا؛ والنَّهيُ عن إجارته؛ لأنَّه ليس مِنْ مكارم الأخلاق، قاله ابن حبيب وغيرُه.
          وقال الخطَّابي: نهى عنه لأنَّه لا يَدرِي أيلقح أم لا؟ وقيل: هو نهيُ كراهةٍ، مثل نهيِه عن ثمن الدَّمِ، أراد ألَّا يكون في صحابته حَجَّامٌ ولا فَحَّالٌ، ومالكٌ أجازَهُ واحتجَّ بفعل أبناء الصَّحابة في ذلك.