التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من آجر نفسه ليحمل على ظهره ثم تصدق به وأجرة الحمال

          ░13▒ (بَابُ: مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، وَأَجْرِ الحَمَّالِ)
          2273- ذكر حديثَ أَبِي مَسْعُودٍ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ إِذَا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ، انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ، فَيُحَامِلُ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ لَمِئَةَ أَلْفٍ قَالَ: مَا تَرَاهُ إِلَّا نَفْسَهُ).
          هذا الحديث تقدَّم في الزَّكاة [خ¦1415]، وأبو مسعودٍ هو عقبة بن عمرٍو البَدريُّ، وفيه صدقةُ الْمُقِلِّ، والصَّدقة مِنَ الكسب بالعمل، وذمُّ المال الَّذي لا يُنفَقُ منه، وإنَّما الحديث على التَّرغيب في الصَّدقة، لقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّه}الآية[الإنسان:8]، وقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]
          وفيه ما كان عليه سلفُ هذِه الأمَّة مِنَ الحرصِ على اتَّباعِ أوامر الشَّارع والمبادرةِ إلى ما نَدَب إليه وحضَّ عليه مِنَ الطَّاعة، وما كانوا عليه مِنَ التَّواضع والمَهْنة لأنفسهم في الأعمال الشَّاقة عليهم؛ لينالوا بذلك رضا ربِّهم، ولذلك وصفهم الله أنَّهم {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110]، وكلُّ هذا كان في أوَّل الإسلام قبل الفتوح، فكان إذا حدَّث به أبو مسعودٍ قال: قد وسَّع الله عليهم لقوله: (وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ لَمِئَةَ أَلْفٍ)، فأدرك الحالتين معًا وقد ظنَّ المحدِّثُ أنَّ أبا مسعودٍ أراد بذلك نفسَه، وقد سلف في الزَّكاة: وإنَّ لبعضِهم اليومَ لمئةُ ألفٍ.