التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من استأجر أجيرًا فبين له الأجل ولم يبين العمل

          ░6▒ (بَابُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَبَيَّنَ لَهُ الأَجَلَ وَلَمْ يُبَيِّنِ لَهُ العَمَلَ
          لِقَوْلِهِ _╡_: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَاللهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} [القصص:27-28] فُلَانٌ يَأْجُرُ فُلَانًا: يُعْطِيهِ أَجْرًا، وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ: أَجَرَكَ اللهُ).
          الشَّرح: قال الإسماعيليُّ: المعنى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي}: تكون لي أجيرًا هذِه المدَّةَ، أو تأجرني نفسك هذِه المدَّة، فأمَّا أنْ تعطيني أجرًا مِنْ حيث لا يعلمُه الآجر فلا.
          واعترض المهلَّب فقال: ليس كما ترجم البخاريُّ؛ لأنَّ العمل عندهم معلومٌ مِنْ سقيٍ وحرثٍ ورعيٍ واحتطابٍ ومَا شاكل أعمال البادية ومَهْنة أهلها، فهذا متعارفٌ وإن لم يُبيِّن له أشخاص الأعمال ولا مقاديرها، مثل أنْ يقول له: إنَّك تحرثُ كذا مِنَ السَّنة، وترعى كذا مِنَ السَّنة، فهذا إنما هو على المعهود مِنْ خدمة البادية، والَّذي عليه المدار في هذا أنَّه قد عرَّفَهُ بالمدَّة وسمَّاها له، وإنَّما الَّذي لا يجوز عند الجميع أنْ تكون المدَّة مجهولةً والعمل مجهولٌ غير معهودٍ، لا يجوز حَتَّى يُعلَم.
          قال: والنِّكاح على أعمال البَدن لا يجوز عند أهل المدينة لأنَّه غَرَرٌ، وما وقع مِنَ النِّكاح على مثل هذا الصَّداق لا نؤمر به اليوم؛ لظهور الغَرَر في طول المدَّة، وهو خصوصٌ لموسى _◙_ عند أكثر العلماء؛ لأنَّه قال: {إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} ولم يعيِّنْهُا، وهذا لا يجوز إلَّا بالتَّعيين.
          وقد اختلف العلماءُ في ذلك، فقال مالكٌ: إذا تزوَّجَها على أنْ يؤاجرها نفسَه سَنَةً أو أكثر يُفسخ النِّكاح إنْ لم يكنْ دَخَلَ بها، فإنْ دخل ثبتَ النِّكاح بمهرِ المِثل، وقال أبو حَنِيفةَ وأبو يوسف: إنْ كان حُرًّا فلها مَهر مثلِها، وإنْ كان عبدًا فلها خدمة سنَةٍ، وقال الشَّافعيُّ: النِّكاح جائزٌ على خدمته إذا كان وقتًا معلومًا.
          وعُلِّل قول مالكٍ بأنَّه لم يبلغه أنَّ أحدًا مِنَ السَّلف / فعل ذلك، والنِّكاح موضوعٌ على الاتِّباع والاقتداء، وقال الدَّاوُدِيُّ: هو جائزٌ لأنَّ مَنْ أَبَى أنْ يُجيزَه يُجيزُ النِّكاح بما هو أبعدُ منه، يجيزُه على العبد الَّذي ليس بمعيَّنٍ ولا موصوف، وعن يحيى كراهته، قال ابن المُنَيِّرِ: ظنَّ المهلَّب بالبخاريِّ أنَّه أجاز أنْ يكون العمل مجهولًا، وليس كما ظنَّ، إنَّما أراد البخاريُّ: أنَّ التَّنصيصَ على العمل باللَّفظ غيرُ مشترطٍ، وأنَّ المتَّبَع المقاصدُ لا الألفاظ، فيكفي دِلالةُ العموم عليها كدِلالة النُّطق، خلافًا لِمَنْ غلَّبَ التَّعَبُّدَ على العقود فراعى اللَّفظ.
          فائدةٌ: قوله _تعالى_: {أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} [القصص:28] أي ذلك واجبٌ لك علَيَّ في تزويجي إحدى ابنتيك، فما قضيتُ مِنْ هذين الأجلين فليس لك علَيَّ مطالبةٌ بأكثرَ منه، واللهُ على ما أوجبه كلُّ واحدٍ مِنَّا على نفسِه شهيدٌ وحفيظٌ، ورُوي عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: ((سألتُ جِبريلَ: أيَّ الأجلين قضى موسى؟ فقال: أتمَّهُمَا وأكملهما))، يعني عشر سنين، وقد أسلفتُ ذلك عن رواية البخاريِّ في الشَّهادات [خ¦2684]، والعُدْوَانُ المجاوزةُ في الظُّلم، ونحوُه الظُّلم الصُّراح.