التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب رعي الغنم على قراريط

          ░2▒ (بَابُ: رَعْيِ الغَنَمِ عَلَى قَرَارِيطَ)
          2262- ذكر فيه حديثَ أَبِي هُرَيْرَةَ: (عَنِ النَّبِيِّ _صلعم_ قَالَ: مَا بَعَثَ اللهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ).
          هذا الحديثُ مِنْ أفراده، ومعناه: أنَّ ذلك تقدمةٌ وتوطئةٌ في تعريفِه سياسةَ العباد، واعتبارًا بأحوال رُعاة الغنم وما يجب على راعيها مِنِ اختيار الكلأ لها وإيرادِها أفضلَ مواردِها، واختيارِ المسرح والْمُراح لها، وجبرِ كسرها والرِّفق بضعيفها ومعرفةِ أعيانِها وحُسن تعاهدِها، فإذا وقف على هذه الأمور كانت مثالًا لرعاية العباد حكمةً بالغة، وخُصَّت بالغنم لأنَّها أسرع انقيادًا، وهي مِنْ دوابِّ الجنَّة.
          وقام الإجماع على جواز الاستئجار للرَّاعي مدَّةً معلومةً بأجرةٍ معلومةٍ، ولا ضمان عليه إذا لم يفرِّط كالوكيل، وهل القَرَارِيطُ في الحديث اسمُ مكان أو نقدٌ؟ قولان:
          أحدهما: اسمُ مكان بقرب جِيَادٍ، قاله الحربيُّ، ويدلُّ له أنَّ العربَ لم تكنْ تعرف القِيراط، وأخبرَ أنَّ مصرَ تُفتح ويُذكر فيها القِيراط؛ ولهذا لم يبوِّب البخاريُّ على الاستئجار لرعيها لأنَّه لم يذكر الأجرة، ويجوز أنْ يكون تركه إعظامًا لجنابه، ولمَّا رواه ابن ماجَهْ قال: ((كنت أرعاها لأهلِ مكَّة بالقَراريط)) ثُمَّ قال: قال سُوَيْدُ بن سعيدٍ: يعني كلَّ شاةٍ بقِيراطٍ، وهو دليلُ القول الثَّاني، قال ابنُ الجَوزيِّ: والَّذي قاله الحَربيُّ أصحُّ، وصحَّحه ابن ناصرٍ الحافظ أيضًا قال: وأخطأ سُوَيْدٌ في تفسيره، وكان ذلك منه وسِنُّه نحوُ العشرين فيما استقرئ مِنْ كلام ابن إسحاق والواقِدِيِّ وغيرهما.