التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب؟

          ░15▒ (بَابٌ: هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِي دَارِ الحَرْبِ)
          2275- ذكر فيه حديثَ خَبَّابٍ قَالَ: (كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، فَقَالَ: لاَ وَاللهِ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ، فَقُلْتُ: وَاللهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلاَ، قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَقْضِيكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ _╡_: {أَفَرَأَيْتَ الَّذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا، وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم:77]).
          الشَّرح: هذا الحديث سلف في باب القَين والحدَّاد [خ¦2091]، وكره العلماء أن يؤاجِرَ الرَّجل المسلمُ نفسَه مِنْ مشركٍ في دار الحرب أو دار الإسلام، وقد أسلفتُ أنَّه حرامٌ لأنَّ في ذلك ذِلَّةً له وصَغارًا إلَّا أن تدعو إلى ذلك ضرورةٌ فلا نحرِّمه فيما لا يعود على المسلم بضُرٍّ ولا فيما لا يَحِلُّ مثل عصير خمرٍ ورعي خنزيرٍ، أو عمل سلاحٍ أو شبه ذلك.
          وأمَّا في دار الإسلام فقد أغنى الله بالمسلمين وبخدمتهم عن الاضطرار إلى خدمة المشركين، وقد أمر الله عبادَه المؤمنين بالتَّرؤُّسِ على المشركين فقال _تعالى_: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ} [محمد:35] فلا / يصلح لمسلمٍ أن يهينَ نفسَه بالخدمة لمشركٍ إلَّا عند الضَّرورة، فإنْ وقع ذلك فهو جائزٌ؛ لأنَّه لمَّا جاز لنا أن نأخذَ أموالهم بالمعاوضة منهم في أثمان ما بيع مِنْهم كان كذلك المنافعُ الطَّارئة منَّا، ألا ترى أنَّ خَبَّابًا عمل للعاصي بن وائل وهو كافرٌ؟ وجاز له ذلك.
          والقَين سلف في البيوع قريبًا وأنَّه الحدَّاد.
          واختَلف أصحابنا فيما إذا أجَّر المسلم نفسَه لكافرٍ إجارةَ عينٍ، والأصحُّ عندنا صحَّتُها، نعم يؤمر بإزالة الملك عنها على الأصحِّ.