التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب كسب البغي والإماء

          ░20▒ (بَابُ: كَسْبِ البَغِيِّ وَالإِمَاءِ
          وَكَرِهَ إِبْرَاهِيمُ أَجْرَ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ، وَقَوْلِ اللهِ _تعالى_: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى البِغَاءِ...}) الآَيَةِ [النور:33] (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فَتَيَاتِكُمْ إِمَاءَكُمْ).
          2282- ثم ساق حديثَ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ: (أَنَّ النَّبِيَّ _صلعم_ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الكَلْبِ، وَمَهْرِ البَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الكَاهِنِ).
          2283- وحديثَ أبي هريرة: (نَهَى عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ).
          الشَّرح: أثرُ إبراهيمَ أخرجه ابنُ أبي شَيْبَةَ، عن وَكِيْع، حَدَّثَنا سفيانُ، عن أبي هاشمٍ عنه أنَّه كره أجر النَّائحة والمغَنِّيَة والكاهن، وكرهه أيضًا الشَّعْبِيُّ والحسن، وقال عبد الله بن هُبَيرة {وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} [المائدة:62] قال: مهر البغيِّ. وأمَّا الآية فذكر مقاتلٌ في «تفسيره» فيما ساقه الواحِديُّ في «أسباب نزوله» عنه: أنَّها نزلت في سِتِّ جَوارٍ لعبد الله بن أُبَيِّ بن سَلول كان يُكرِهُهنَّ على البِغاء ويأخُذُ أجورَهنَّ، وهنَّ مُعاذة ومُسَيْكة وأُميمة وعَمْرَة وأروى وقُتيلة، فجاءته إحداهنَّ يومًا بدينار وجاءت أخرى بِبُرْدٍ فقال لهما: ارجعا فَازْنِيا، فقالتا: والله لا نفعل قد جاء الله بالإسلام وحرَّم الزِّنا، فأَتَيا رَسُول الله _صلعم_ وشكيا إليه فأنزلَ اللهُ الآية، كذا ساقه عنه.
          والَّذي في «تفسيره» في الآية: أنَّها نزلت في عبد الله بن أُبَيٍّ المنافق وفي جاريته أُميمة، وفي عبد الله بن نَبْتَلٍ المنافق وفي جاريته مُسَيكة، وهي ابنة أُميمة، ومنهنَّ أيضًا: معاذة، وأروى، وعَمرة، وقُتيلة، وأتت أُميمة وابنتُها مُسَيْكَةَ رَسُولَ الله _صلعم_ فقالتا: إنَّا نُكرَهُ على الزِّنا فنزلت. وفي مسلمٍ: كان ابنُ أُبَيٍّ يقول لجاريةٍ له: اذهبي فابغينا شيئًا فنزلت. وعن الزُّهريِّ: أنَّ رجُلًا مِنْ قريشٍ أُسِرَ يومَ بدرٍ، وكان عند عبد الله بن أُبَيٍّ أسيرًا، وكانت لعبد الله جاريةٌ يقال لها: مُعاذةُ، فكان القُرشيُّ الأسيرُ يراودها عن نفسها، وكانت تمتنع لإسلامها، وكان ابنُ أُبَيٍّ يُكرِهُها ويضربُها على ذلك رجاءَ أن تَحمِلَ مِنَ القُرَشِيِّ، فيطلُبُ فِداءَ ولدِهِ، فنزلت، وقال مجاهد: نزلتْ في عبد الله بن أُبَيٍّ أيضًا، وقاله ابن عبَّاسٍ أيضًا، ونقل ابن بَطَّالٍ عن أهل التَّفسير أنَّهم ذكروا في هذِه الآية أنَّه كانت لعبد الله بن أُبَيٍّ جاريةٌ يُكرِهها على الزِّنا، فلما حرَّمه الله قال لها: ألا تزني؟ قالت: والله لا أزني أبدًا، فنزلت إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:33] لهنَّ، وإثْمُهُنَّ على مَنْ أَكْرَهَهُنَّ.
          وحديثُ أبي مسعودٍ سلف [خ¦2237]، وحديثُ أبي هريرة مِنْ أفراده، وفي «مصنَّف ابن أبي شَيْبَةَ» عن عَبَايَةَ بنِ رِفَاعَةَ أنَّه _◙_ كره كسبَ الأَمَة، وقال: ((لعلَّها لا تَكِدُّ فتبغي بنفْسِها))، وعن عثمانَ بن عفَّانَ: لا تُكَلِّفوا الصَّغيرَ الكسبَ فيسرق، ولا تكلِّفوا الجاريةَ غير ذات الصُّنْعِ فتكسب بفَرْجِها. وعن جابرٍ: نهى رَسُول الله _صلعم_ عن خراج الأَمة إلَّا أن تكونَ في عملٍ واصِبٍ.
          و(البَغِيِّ) الفاجرة، والاسمُ البِغاء، قال إسماعيل بن إسحاق: دلَّت الآيةُ السَّالفةُ أنَّ المكرَهة على الزِّنا والمغتصَبة بوطءٍ أنَّه لا حَدَّ عليهنَّ، قال غيره: حرَّم الله _╡_ كسْب البغيِّ بفَرْجِها، وقام الإجماع على إبطال أجر النَّائحة والمغنِّية، وهو عندهم مِنْ أكل المال بالباطل.
          وقوله: (قَالَ مُجَاهِدٌ: فَتَيَاتِكُمْ إِمَاءَكُمْ) قال ابنُ التِّيْنِ: في بعض الرِّوايات: <إمائِكم> وصوابه (إِمَاءَكُمْ)، وفي بعضها: <إماؤُكم>، وهذا جاء به على المبتدأ والخبر، لم يأت به على الحكاية.
          وقوله: ({إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا}) متعلِّقُ بقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} {إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا} [النور:32-33] وقيل: في الآية تقديمٌ وتأخير، والمعنى: فإنَّ الله مِنْ بعدِ إكراهِهنَّ غفورٌ رحيمٌ إن أردن تحصُّنًا، أي تَطَلَّبُوا أجورَهنَّ فيما يكتسِبْنَ، قال مجاهدٌ: فإنَّ الله للمُكرَهات مِنْ بعد إكراههنَّ غفورٌ رحيمٌ.