التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى: {وأتوا البيوت من أبوابها}

          ░18▒ بَابُ: قَولِ اللهِ _تعالى_: {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة:189].
          1803- ذَكَرَ فيه حديثَ البَرَاء: نَزَلَتْ هَذِه الآيَةُ فِينَا، كَانَتِ الأنْصَارُ إِذَا حَجُّوا لَمْ يَدْخُلُوا مِنْ قِبَلِ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ، ولَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ، فَدَخَلَ مِنْ قِبَلِ بَابِهِ، فَكَأَنَّهُ عُيِّرَ بِذَلِكَ، فَنَزَلَتْ: {وَلَيسَ الْبِرُّ بَأَنْ تَأَتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا}الآية [البقرة:189].
          هذا الحديث أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وفي بعض ألفاظ البُخَارِيِّ عَنْهُ: ((كَانُوا إِذَا أَحْرَمُوا فِي الجَاهِلِيَّة أَتَوا البَيتَ مِنْ ظَهْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ الآية))، وقال مُجَاهِدٌ: كَانَ المشركون إذا أَحْرَمَ الرَّجل مِنْهُم نقب كوَّةً في ظهر بيته، وجعل سُلَّمًا فيدخل مِنْهَا.
          وقال مَعْمَرٌ عن الزُّهْرِيِّ: كَانَ الأنصار إذا أهلُّوا بِالعُمْرَةِ لم يحُلْ بينهم وبين السَّماء شيءٌ يتحرَّجون مِنْ ذَلكَ، وكَانَ الرَّجل حِينَ يخرج مُهِلًّا بِالعُمْرَةِ فتبدو له الحاجة بعدما يخرج مِنْ بيته، فيرجع لا يدخل مِنْ باب الحجرة مِنْ أجل سقف الباب أنْ يحول بينه وبين السَّماء، فيفتحُ الجدارَ مِنْ ورائه، حتَّى بلَغَنا أنَّ النَّبيَّ صلعم أهَلَّ مِنَ الحُدَيبِيَة بِالعُمْرَةِ فدخل حجرته، فدخل رجلٌ مِنَ الحُمُسِ مِنْ ورائه، فقال له الأنصاري: وأنا أَحْمَس، يَقُولُ: وأنا على دينك لأنَّ الحُمُسَ كَانَت لا تبالي ذَلِكَ فأنزل الله الآية.
          والرَّجل مِنَ الأنصار هو رِفاعَة بن تابُوتٍ، كذا أخرجه عبدٌ في «تفسيره» عن قيس بن جَرِيرٍ، وأخرج الحاكم _وقال على شرط الشَّيخين_ أنَّه قُطْبَةُ بن عامرِ بن حَدِيدةَ الأنصاريُّ السَّلميُّ، وفي «مقامات التَّنزيل» لأبي العبَّاس: الَّذِي دخل مَعَ رسول الله صلعم وقال: إنِّي أحمس، رجلٌ مِنَ المشركين، قال: وفي رواية الزُّهْرِيِّ / أنَّ الآية نزلت في الحُدَيبِيَة حِينَ أَحْرَمَ بها.
          وقال محمَّد بن كعبٍ القُرَظِيُّ فيما حَكَاهُ ابن أبي حاتمٍ في «تفسيره»: كَانَ الرَّجل إذا اعتكف لم يدخل منزله مِنْ باب البيت فنزلت الآية، وحكى أيضًا عن عطاءٍ قال: كَانَ أهل يثرب إذا رجعوا مِنْ عيدهم دخلوا البيوت مِنْ ظهورها، ويرون أنَّ ذَلِكَ أدنى البِرِّ، فنزلت الآية، وعن الحَسَن: إذا أراد أحدُهم سفرًا ثمَّ بدا له فنزلت.
          وقال الزَّجَّاج: كَانَ قومٌ مِنْ قريشٍ وجماعةٌ مِنْهُم مِنَ العرب إذا خرج الرَّجل مِنْهُم في حاجةٍ فلم يقضِها، ولم تتيسَّر له رجع، فلم يدخل مِنْ باب بيته سَنَةً، يفعل ذَلكَ طِيَرةً، فأعلمهم الله تعالى أنَّ هذا غير برٍّ.
          وقال الأكثر مِنْ أهل التَّفسير: وهم قومٌ مِنْ قريشٍ، وبنو عامر بن صَعْصَعَة وثقيفٌ وخزاعةُ، كَانُوا إذا أَحْرَمُوا لا يأقطون الأَقِطَ ولا ينتفون الوَبَر، ولا يَسْلُون السَّمن، وإذا خرج أحدهم في الإحرام لم يدخل مِنْ باب بيته، فنزلت الآية.