التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عمرة التنعيم

          ░6▒ بَابُ: عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ.
          1784- ذَكَرَ فيه حديثَ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوسٍ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عائشةَ، وَيُعْمِرَهَا مِنَ التَّنْعِيمِ. قال سُفْيَانُ مَرَّةً: سَمِعْتُ عَمْرًا، وكَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو.
          1785- وحديثَ جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ يَخرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ، فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الحَجِّ فِي ذِي الحَجَّةِ، وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صلعم وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ، فَقال: أَلَكُمْ هذِه خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقال: (لَا بَلْ لِلْأَبَدِ).
          حديث عائشة سَلَفَ، وحديث جابرٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أيضًا.
          وفقه الباب أنَّ المعتمر المكِّيَّ لا بدَّ له مِنَ الخروج / إلى الحلِّ ثمَّ يُحرم مِنْهُ لأنَّ التَّنعيم أقرب إلى الحلِّ، وشأن العمرة عند الجميع أنْ يجمع فيها بين الحلِّ والحرم المكِّيِّ وغيره، وَالعُمْرَة زيارةٌ وَإِنَّمَا يُزار الحرم مِنْ خارجه كما يُزار المَزُورُ في بيته مِنْ غير بيته، وتلك سنَّة الله في عباده المعتمِرين، وما بَعُد مِنَ الحلِّ كَانَ أفضل، ويجزئ أقلُّ الحلِّ، وهو التَّنعيم، وأفضلُه عندنا الجِعِرَّانة، ثمَّ التَّنعيم، ثمَّ الحُدَيبِيَة، وقال الطَّحَاوِيُّ: ذهب قومٌ إلى أنَّ العمرة لِمَنْ كَانَ بمَكَّةَ لا وقت لها غيرُ التَّنعيم، وجعلوا التَّنعيم خاصَّة وقتًا لعمرة أهل مَكَّةَ.
          وقال: لا ينبغي لهم أنْ يجاوزوه كما لا ينبغي لغيرهم أنْ يجاوز ميقاتًا وقَّته لهم رسول الله صلعم وخالفَهم في ذَلِكَ آخرون، قالوا: وقِّت لأهل مَكَّةَ الَّذِين يُحرمون مِنْهُ بِالعُمْرَةِ الحِلُّ، فمِنْ أيِّ الحِلِّ أَحْرَمُوا أجزأهم ذَلِكَ، والتَّنعيم وغيره عندهم في ذَلِكَ سواءٌ.
          واحتجُّوا بأنَّه قد يجوز أن يكون ◙ قصد إلى التَّنعيم في ذَلِكَ لقربه لا أنَّ غيره لا يجزئ، وقد رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عائشة أنَّه ◙ قال لعبد الرَّحْمَنِ: ((احْمِل أُخْتَكَ، فَأخْرِجْهَا مِنَ الْحَرَمَ قالتْ: وَاللهِ مَا ذَكَرَ الجِعِرَّانة وَلَا التَّنْعِيمَ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، فَكَانَ أَدْنَى مَا فِي الْحَرَمِ التَّنْعِيم، فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ))، فأخبرت أنَّه ◙ لم يقصد إلَّا الحلَّ، لا موضعًا معيَّنًا، وقصد التَّنعيم لقربه، فثبت أنَّ وقت أهل مَكَّةَ لعُمَرِهِم هو الحِلُّ، وهو قول أبي حنيفةَ وأصحابه وَالشَّافعيُّ.
          وسؤال سُراقَةَ يَحْتَمِل أن يكون أراد عمرتنا هذه في أشهر الحجِّ لعامنا هذا، ولا يُفعل ذَلِكَ فيما بعد لأنَّهم لم يكونوا يعرفون العمرة فيما مضى في أشهر الحجِّ، أو للأبد. فقال ◙: (هِيَ لِلأَبَدِ) أي لكم أنْ تفعلوا ذَلِكَ أبدًا، وليس على الفسخ، فقد كَانَ خاصًّا بهم كما سَلَفَ، وهكذا رواه جَعْفَر بن محمَّدٍ، عن أبيه، عن جابٍر: ((عُمْرَتُنَا لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ؟))، وتابعه خُصَيْفٌ والأَوزَاعِيُّ جميعًا، عن عطاءٍ، عن جابرٍ.
          وقال ابنُ جُرَيجٍ عن عطاءٍ عن جابرٍ، وقال ابنُ جُرَيجٍ، عن عطاءٍ: ((مُتْعَتُنَا لِعَامِنَا أَمْ لِلأبَدِ؟)) وطريق البُخَارِيِّ عن عطاءٍ عن جابرٍ سَلَفَت أوَّلَ الباب، وقال الدَّاوُدِيُّ: يعني به جواز التَّمتُّع وحمله قومٌ على الفسخ.