التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب عمرة في رمضان

          ░4▒ بَابُ: عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ.
          1782- ذَكَرَ فيه حديثَ ابن عَبَّاسٍ: (قال رَسُولُ اللهِ صلعم لِامْرَأَةٍ مِنَ الأنْصَارِ _سَمَّاهَا ابنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا_: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟ قالتْ: كَانَ لَنَا نَاضِحٌ، فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ _لِزَوجِهَا وَابْنِهَا_ وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ)، أَو نَحْوٌ مِمَّا قال.
          هذا الحديث أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، وقال: ((فَإِنَّ عُمْرَةً فيه تَعْدِلُ حَجَّةً))، وخرَّجه أيضًا مِنْ طريق جابرٍ تعليقًا، ولهما: ((تَقْضِي حَجَّةً أَو حَجَّةً مَعِي)) وسمَّيا المرأة أمَّ سنانٍ الأنصاريَّة، ولِلتِّرْمِذِيِّ والحاكم: أمَّ مَعْقِلٍ الأسديَّة، وكنَّاها بعضهم: أمَّ طَلِيْقٍ.
          وفي روايةٍ للحاكم: ((عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي)) بِالْجَزْمِ، ثمَّ قال: صحيحٌ على شرط الشَّيخين.
          قلتُ: فيه عامرٌ الأحولُ، وقد أخرج له مسلمٌ، ووثَّقه أبو حاتمٍ، وليَّنه أحمد.
          وفيه دِلالةٌ واضحةٌ على فضل الاعتمار في رمضان، قال إسحاق: وهو مثل حديث ((مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فَقَد قَرَأ ثُلُثَ القُرْآن)).
          وفيه: جواز الاعتمار في غير أشهر الحجِّ، والأحاديث السَّالفة تدلُّ على إباحتها في أشهر الحجِّ، وَقِيلَ: الاعتمار قبل الحجِّ أفضل مِنْهُ بعده، حَكَاهُ ابن التِّينِ قال: وهذا لِمَنْ كَانَ مقيمًا بمَكَّةَ.
          وَقوله: (فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ) أيْ ثوابها، والمراد حجَّة التَّطوُّع، وثواب الأعمال يزيد بزيادة شرف الوقت، أو خلوص القصد وحضور القلب، قال الزُّهْرِيُّ: تسبيحةٌ في رمضان خيرٌ مِنْ سبعين في غيره، فببركة رمضانَ حصل هذا الفضلُ، ويبعد أنْ يكون خاصًّا بها، وإنْ كَانَ رُوِيَ، ما أدري إلى خاصِّه.
          و(النَّاضِح): البعير، أو الثَّور، أو الحمار الَّذِي يُربط به الرِّشا يجرُّه فيُخرج الغَرْبَ، ويُقال له أيضًا: السَّانية.
          وفي مسلمٍ: ((يَسْقِي عليه غُلَامُنَا)) قال القاضي: وأراه تحريفًا، والصَّواب: نسقي نخلًا لنا، فتصحَّف مِنْهُ غلامنا، بيانه ما في البُخَارِيِّ: ((نَسْقِي عليه أَرْضًا لَنَا)).
          فرعٌ: جميع السَّنَة وقتٌ لإحرام العمرة عندنا إلَّا للعاكف بمِنًى لاشتغاله بالرَّمي والمبيت، وقال مَالِكٌ: مَنْ لم يحجَّ مِنْ أهل الآفاق له أنْ يعتمر أيَّام التَّشريق ذكره في «المدوَّنة» ولم يَذكر يوم النَّحْرِ، فيَحْتَمِل أنْ يكون مخصوصًا بالمنع لكونه يوم الحجِّ الأكبر، ويَحْتَمِل أنْ يكون حكمُه حكمَ أيَّام التَّشريق، وقال ابنُ الجَلَّاب: يلزمُه العُمرة إنْ أَحْرَمَ بها بعد الرَّمي، ويمضي فيها حتَّى يُتمَّها بعد الغروب.