شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل من ذهب بصره

          ░7▒ بابُ فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ.
          فيه: أَنَسٌ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (قَالَ اللهَ ╡: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ ثم صَبَرَ(1)، عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ) يُرِيدُ عَيْنَيْهِ. [خ¦5653]
          هذا الحديث أيضًا حجَّة في أنَّ الصَّبر على البلاء ثوابُه الجنَّة، ونعمة البصر على العبد وإن كانت مِن أجلِّ نعمِ الله ╡ عليه في الدُّنيا(2) فعوَّض الله له الجنة عليها أعظم(3) مِن نعمتِها في الدُّنيا؛ لنفاذ مدَّة الالتذاذ بالبصر في الدُّنيا وبقاء مدَّة الالتذاذ به في الجنَّة.
          فمَن ابتلي مِن المؤمنين بذهاب بصرِه في الدُّنيا فلم يَفعل ذلك به لسخط منه عليه، وإنَّما أراد ╡ الإحسان إليه إمَّا بدفع مكروه عنه يكون سببُه نظر عينيه لا صبر له على عقابِه في الآخرة، أو ليكفِّر عنه ذنوبًا سلفت لا يكفِّرها عنه إلا بأخذ أعظم جوارحِه / في الدُّنيا ليلقى ربَّه طاهرًا مِن ذنوبِه، أو ليبلِّغَه(4) مِن الأجر إلى درجة لم يكن يبلغُها بعملِه وكذلك جميع أنواع البلاء، فقد أخبر صلعم أنَّ أشدَّ النَّاس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرَّجل على حسب دينِه.
          وجاء عنه صلعم: ((إِنَّ أَهْلَ العَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا يَوَدُّوْنَ لَوْ أَنَّ لُحُومَهُم قُرِضَتْ بِالمَقَارِيضِ فِي الدُّنيا لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ثَوابِ اللهِ ╡ لِأَهْلِ البَلاءِ)) فمَن ابتُلي بذهاب بصرِه أو فقد(5) جارحة مِن جوارحِه فَلْيَتَلَقَّ ذلك بالصَّبر والشُّكر والاحتساب، وليرض باختبار الله تعالى له ذلك ليحصل على أفضل العوضين وأعظم النِّعمتين وهي الجنَّة الَّتي مَن صار إليها فقد ربحت تجارتُه وكرمت صفقتُه ولم يضرَّه ما لقي مِن شدَّة البلاء فيما قادَه إليها.


[1] في (ص): ((ثم صبر)).
[2] قوله: ((عليه في الدُّنيا)) ليس في المطبوع.
[3] في (ص): ((فعوض الله عليها الجنة أفضل)).
[4] في (ص): ((ليبلغ به)).
[5] في (ص): ((أو بفقد)).