شرح الجامع الصحيح لابن بطال

ما جاء في كفارة المرض

          ░1▒ مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ المَرْضَى
          وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء:123].
          فيه: عَائِشَةُ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلا كَفَّرَ اللهُ بِهَا عَنْهُ حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا). [خ¦5640]
          وفيه: أَبُو سَعِيد وأَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ وَلا حُزْنٍ، وَلا أَذًى وَلَا غَمٍّ، حتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ). [خ¦5641] [خ¦5642]
          وفيه: كَعْبٌ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لا تَزَالُ حتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً).
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ الْخَامَةِ مِنَ الزَّرْعِ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا، فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأُ بِالْبَلاءِ، وَالْفَاجِرُ كَالأرْزَةِ صَمَّاءَ مُعْتَدِلَةً حتَّى يَقْصِمَهَا اللهُ إِذَا شَاءَ). [خ¦5644]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ). [خ¦5645]
          قال كثير مِن أهل التَّأويل في قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوْءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء:123]معناه أنَّ المسلم يجزى بمصائب الدُّنيا فتكون له كفَّارة، روي هذا عن أُبَيِّ بن كعب / وعائشة ومجاهد، ورُوي عن الحسن وابن زيد أنَّه في الكفَّار خاصَّة، وحديث عائشة وأبي سعيد وأبي هريرة يشهد بصحَّة(1) القول الأول، وروي عن ابن مسعود أنَّه قال: الوجع لا يكتب به الأجر ولكن تكفَّر به الخطيئة.
          فإن قيل: إنَّ ظاهر(2) هذه الآثار يدلُّ على أنَّ المريض إنَّما يُحَطُّ عنه بمرضِه السَّيِّئات فقط دون زيادة، وقد ذكر البخاري في كتاب الجهاد في باب يكتب للمسافر ما كان يعمل في الإقامة في حديث أبي موسى عن النَّبيِّ صلعم أنه قال: ((إِذَا مَرِضَ العَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا)) وظاهرُه مخالف لآثار هذا الباب لأنَّ في حديث أبي موسى أنَّه يزاد على التَّكفير، قيل له: ليس ذلك بخلاف وإنَّما هو زيادة بيان على آثار هذا الباب الَّتي جاءت بتكفير الخطايا بالوجع لكلِّ مؤمن لقولِه صلعم: ((مَا يُصِيْبُ المُسْلِمِيْنَ نَصَبٌ وَلَا وَصَبٌ(3))) فعمَّ جميع المؤمنين.
          وفي حديث أبي موسى معنى آخر وهو أنَّ(4) مَن كانت له عادة مِن عمل صالح ومنعَه الله تعالى مِنه بالمرض أو السَّفر وكانت نيَّتُه لو كان صحيحًا أو مقيمًا أن يدوم عليه ولا يقطعَه، فإنَّ الله تعالى يتفضَّل عليه بأن يكتب له ثوابَه، فأمَّا مَن لم يكن له تنفُّل ولا عمل صالح فلا يدخل في معنى الحديث لأنَّه لم يكن يعمل في صحَّتِه أو إقامتِه ما يكتب له في مرضِه أو سفرِه(5)، فحديث أبي موسى المراد به الخصوص، وأحاديث هذا الباب المراد بها العموم. وكلُّ واحد منها(6) يفيد معنى غير معنى صاحبِه، فلا خلاف في شيء منها، وقد بيَّنا معنى حديث أبي موسى في كتاب الجهاد.
          قال المهلَّب: وأمَّا قولُه صلعم: (مَثَلُ المُؤْمِنِ كَالخَامَةِ(7) مِنَ الزَّرْعِ يَفِيْءُ وَرَقُهُ مِنْ حَيْثُ أَتَتْهُ الرِّيْحُ) يعني مِن حيث جاء أمر الله انطاع له ولان ورضيَه، وإن جاءَه مكروه رجا فيه الخير والأجر، فإذا سكن البلاء عنه اعتدل قائمًا بالشُّكر له على البلاء والاختبار وعلى المعافاة مِن الأمر الاجتياز(8) له ومنتظرًا لاختيار الله له ما شاء مما حكم له بخيرِه في دنياه أو كريم(9) مجازاتِه في أُخراه، والكافر كالأرزة صمَّاء معتدلة لا يتفقَّده الله تعالى باختبار بل ويعافيه(10) في دنياه وييسِّر عليه في أمورِه ليعسِّر عليه في معادِه، حتَّى إذا أراد الله تعالى إهلاكَه قصمَه قصم الأرزة الصمَّاء فيكون موتُه أشدَّ عذابًا عليه وأكثر ألمًا في خروج نفسِه مِن ألم النَّفس المُلَيَّنَةِ بالبلاء المأجور عليه.
          والأرز مِن أصلب الخشب، وقال صاحب «العين»: الخامة: الزَّرع أوَّل ما ينبت على ساق واحد.


[1] في (ص): ((لصحة)).
[2] في (ص): ((ظاهر)).
[3] في (ص): ((ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب)).
[4] في (ص): ((أنه)).
[5] في (ص): ((وسفره)).
[6] في (ص): ((منهما)).
[7] في (ص): ((كخامة)).
[8] كذا في (ز) و(ص)، وفي المطبوع: ((والاجتياز)).
[9] في (ص): ((وكريم)).
[10] في (ز): ((ويعاقبه)) والمثبت من (ص).