شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: العبد راع في مال سيده

          ░19▒ بَابٌ العَبْدُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ / وَنَسَبَ النَّبِيُّ صلعم المَالَ إلى السَّيِّدِ.
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: قَالَ ◙(1): (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ(2)، وَأَحْسِبُ أنَّ النَّبِيَّ ◙ قَالَ: وَالرَّجُلُ في مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ(3) عَنْ رَعِيَّتِهِ). [خ¦2558]
          قالَ المُهَلَّبُ: هَذِه كُلُّها أماناتٌ تلزمُ مَنِ استرعاها أداء النَّصيحة فيها للهِ ╡، ولمِنْ(4) استرعاه عليها، ولكلِّ واحدٍ منهم أنْ يأخذَ مِمَّا استرعى أمره ما يحتاجُ إليِّه بالمعروفِ مِنْ نفقةٍ ومؤنةٍ.
          وقولهُ: (العَبْدُ والخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ) ففيِّه حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ: إنَّ العبدَ لا يملك.
          واختلفَ أهلُ العلمِ في مُلك العبد لِمَا في يديه(5) مِنَ المالِ، فذهبتْ طائفةٌ إلى أنَّه لا يملكُ شيئًا؛ لأنَّ الرِّقَّ منافي الملك، وماله لسيِّده عند عِتقهِ وبيِّعه(6) إيِّاهُ، وإنْ لم يشترط ماله سيِّده، رُوِيَ هذا عن ابن مَسْعُودٍ وابنِ عَبَّاسٍ وأبي هريرةَ وعَنْ سَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ، وهو قولُ الثَّوْرِيِّ والكوفيِّين والشَّافعيِّ، وأحمدَ وإِسْحَاقَ.
          وقالت طائفةٌ: مالهُ له دونَ سيِّده في العتقِ والبيعِ، رُوِيَ ذلك(7) عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وابنِ عُمَرَ، وعائشةَ، وبه قالَ النَّخَعِيُّ والحَسَنُ البَصْرِيُّ.
          واضطربَ قولُ مالكٍ في مُلكِ العبدِ، فقال: مَنْ باعَ عبدًا وله مالٌ(8)، فماله للبائعِ، إلَّا أنْ يشترطهُ المبتاعُ، وقال فيمَنْ أعتقَ عبدًا: أنَّ مالهُ للعبدِ، إلَّا أنْ يشترطَه السَّيِّد، فدلَّ قولهُ في البيعِ أنَّ العبدَ لا يملكُ، إِذْ جعلَ المالَ للسَّيِّدِ دونَ اشتراطٍ، ودلَّ قولهُ في العتقِ أنَّ العبدَ يملكُ، إِذْ جعلَ ماله له دون اشتراطٍ، والحجَّة له في البيعِ حديثُ ابنِ عُمَرَ عَنْ أبيه: عَنِ النَّبِي صلعم أنَّهُ قَالَ: ((مَنْ بَاعَ عبدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ للبائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْترَطَهُ المُبتاعُ))، والحجَّة له في العتقِ حديثُ عُبَيْدِ اللهِ بنِ أبي جعفرٍ عَنْ بُكَيْرِ بنِ الأَشَجِّ عَنْ نافعٍ عَن ابنِ عُمَرَ: أنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: ((مَنْ أَعتقَ عبدًا، فَمَالُهُ لَهُ إِلَّا أنْ يَستَثْنِيَهُ سَيَّدُهُ)).
          وقالَ(9) ابنُ شِهَابٍ:(10) إنَّ العبدَ إِذْا عُتِقَ(11) تَبِعَهُ مالهُ، ولم يكنَ أحدٌ(12) أعلمَ بُسنَّةٍ ماضيَّةٍ مِنِ ابنِ شِهَابٍ، وقالَ قَتَادَةُ في قولِهِ تَعَالى: {عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ}[النَّحل:75]هو الكافرُ لا يعمل بطاعةِ الله ولا يعمل خيرًا، {وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا}[النَّحل:75]، هو المؤمن يطيعُ الله في نفسه وماله.
          وحجَّة مَنْ قالَ: إنَّ العبدَ لا يملك شيئًا أنَّ إضافة الشَّيءِ إلى ما لا يجوزُ أنْ يملك أشهرُ(13) في كلامِ العربِ مِنْ أنْ يحتاجَ إلى شاهدٍ، وذلك كقولهم: ماءُ النَّهر، وسرجُ الدَّابَّة، فإضافة المالِ إلى العبد في قوله ◙: ((مَنْ بَاعَ عبدًا وَلَهُ مَالٌ)) مِنْ أجلِ أنَّه بيدِهِ لا أنَّه يملكه، وَخَاطبَ النَّبِيُّ صلعم قَومًا عَرَبًا يَعرفونَ مَا خُوطِبُوا به.
          قالَ الطَّبَرِيُّ: فَأَخبرَ النَّبيُّ صلعم أنَّ ذلك المال للبائع إذا لم يشترطه المبتاع في عقد البيع، كما أخبر أنَّ ثمرةَ النَّخلِ المؤبَّرة(14) للبائع إذا باعَ مالكه(15) أصلَ النَّخلِ، كما كانت له قبل بيع النَّخلِ إذا لم يشترطها المبتاع(16) في عقد البيع.
          قالوا: ولو كان المالُ للعبد قبل بيع السَّيِّد له، لم يكن بيعه ليزيل ملكهُ عَنهُ إلى البائعِ ولا إلى المشتَري. قالوا: وفي إجماعِ الأمَّة أنَّ لسيِّدِ العَبْدِ قبضَ مالِ العبدِ منه، وأنَّ العبدَ ممنوعٌ مِنَ التَّصرُّفِ فيه إلَّا بإذنِ سيِّدهِ الدَّليلُ الواضحُ على صحَّة ما قلناه(17)، وإلى هذا المذهبِ أشارَ البخاريُّ بقوله: (ونَسَبَ النَّبِيُّ صلعم المالَ إلى السَّيِّدِ في قَوْلِهِ: العَبْدُ(18) رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ).
          قالَ المُهَلَّبُ: ومِنْ حجَّة الَّذين قالوا:(19) العبد يملك، أنَّهم َقالُوا للمحتجِّينَ عليهم بما تقدَّم: هذا يلزم(20) في السَّفيهِ، فإنَّه لا يجوزُ أنْ يتصرَّف في ماله إلَّا بإذن وصيِّه، والمال ملكٌ له، بقوله(21) تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ}[النِّساء:6]، فكذلك العبد، وقال تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}[النُّور:33]، يعني مالًا، بدليل قوله تعالى: {إِن تَرَكَ خَيْرًا}[البقرة:180]، يعني مالًا.
          وقالَ تَعَالى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ(22)}[النُّور:32]، فوصفهم بالفقر والغِنى، فدلَّ أنَّهم مالكون، وقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ(23)} إلى قوله: {فآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[النِّساء:25]، وهي المهورُ، فدلَّ أنَّ الإماءَ مالكاتٌ / لها لجواز(24) دفعها إليهنَّ، إذ لو كُنَّ غير مالكاتٍ لَمَا(25) جازَ دفعُها إليهنَّ مع أمرِه تعالى بالتَّوثُّق مع(26) دفع الحقوقِ إلى أهلها.


[1] في (ز): ((قالَ النَّبِيُّ صلعم)).
[2] قوله: ((فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ في أَهْلِهِ رَاعٍ ومَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ في بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَمَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ في مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) ليس في (ز).
[3] في (ص): ((وهو مسؤولٌ)).
[4] في (ز): ((ولمن)).
[5] في (ز): ((يده)).
[6] في (ز): ((وعنده بيعه)).
[7] في (ز): ((هذا)).
[8] قوله: ((وله مال)) ليس في (ز).
[9] في (ز): ((قال)).
[10] زاد في (ز): ((السُّنة)).
[11] في (ز): ((أعتق)).
[12] قوله: ((أحد)) ليس في (ز).
[13] في (ز): ((أمره)).
[14] في (ز): ((المؤبَّر)).
[15] في (ز): ((ماله)).
[16] في (ز): ((المشتري)).
[17] في (ز): ((قلنا)).
[18] في (ز): ((والعبد)).
[19] زاد في (ز): ((إنَّ)).
[20] في (ز): ((يلزمكم)).
[21] في (ز): ((لقوله)).
[22] قوله: ((من فضله)) ليس في (ص).
[23] قوله: ((المؤمنات)) ليس في (ص).
[24] في (ز): ((بجواز)).
[25] في (ز): ((ما)).
[26] في (ز): ((عند)).