شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أعتق نصيبًا في عبد وليس له مال استسعى العبد

          ░5▒ بَابُ إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا في عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ اسْتُسْعِى العَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ نَحْوِ الكِتَابَةِ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا في عَبْدٍ، فَخَلَاصُهُ عَلَيْهِ في مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلَّا قُوِّمَ عَلَيْهِ، فاسْتُسْعِى(1) غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ). [خ¦2526]
          رواه جَرِيْرُ بنُ حَازِمٍ وسَعِيْدٌ عن قَتَادَةَ، وَتَابَعَهُ حَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ وَأَبَانُ وَمُوسَى بنُ خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ، واخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ.
          اختلف العلماء في العبد بين الرَّجلين يعتق أحدهما نصيبه وهو مُعسرٌ، فذهب الكوفيُّون والثَّوْرِيُّ والأوزاعيُّ إلى أنَّه إذا كان المعتق مُعسرًا، سَعَى العبدُ في حصَّة شريكه حتَّى يؤِّدي قيمتها، واحتجُّوا بهذا الحديث.
          وقال آخرون: لا يعتق منه إلَّا ما عتق، ولا يجوز أنْ يستسعى العبد؛ لأنَّه لم يتعدَّ ولا جنى ما يجب عليه ضمانه ولا يُؤخَذ أحدٌ بجناية غيره، هذا قول مالكٍ والشَّافعيِّ وأحمدَ بنِ حنبلٍ.
          وقوله ◙ في حديث ابنِ عُمَرَ: ((وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ))، يبطل الاستسعاء؛ لأنَّه ◙(2) لم يقل: ((وَيَستَسعى العَبْدُ))، وقد روى هَمَّامٌ وشُعْبَةُ وهِشَامٌ الدَّستوائيُّ هذا الحديث عن قَتَادَةَ، ولم يذكر فيه السَّعاية، حدَّثنا المُهَلَّبُ قال: حدَّثنا أبو مُحَمَّدٍ الأَصِيْلِيُّ قال: حدَّثنا أبو الحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ قال: حدَّثنا أبو بَكْرٍ النَّيسابوريُّ قال: حدَّثنا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ أبي عِيسَى الهِلَالِيُّ حدَّثنا عبدُ اللهِ بنُ يَزِيْدٍ المُقْرِئُ حدَّثنا هَمَّامُ بنُ يحيى عن قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بنِ أَنَسٍ عن بَشِيرِ بنِ نَهِيْكٍ عن أبي هريرةَ: ((أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي َمْمُلوكٍ، فَأَجَازَ النَّبِيُّ صلعم عِتْقَهُ وَغُرْمَهُ بِقِيْمَةِ ثَمَنِهِ)).
          قالَ قَتَادَةُ: فإنْ لم يكنْ لهُ مالٌ استسعى العبد غير مشقوقٍ عليه، قال الدَّارَقُطْنِيُّ: ما أحسن ما رواه هَمَّامٌ وضبطه فضل(3) قول قَتَادَةَ.
          قال الأَصِيْلِيُّ وابنُ القَصَّارِ: ومَنْ أَسقط السَّعاية أولى مِمَّنْ ذكرها لما رواه عِمْرَانُ بنُ الحُصَيْنِ: (عَنِ النَّبِيِّ صلعم فِي الَّذِي أَعْتَقَ السِّتَّةَ الأَعْبُدِ، فَأَسْهَمَ النَّبِيُّ صلعم بَيْنَهُم، فَأَعْتَقَ اثنينَ وَأَرَقَّ أَرْبَعةً، وَلَم يُلزمْهُم الاسْتِسْعَاءَ)، وعلى مذهب أبي حنيفةَ كان يجب أنْ يعتقَ مِنْ كلِّ واحدٍ جزءًا ويلزمه السَّعاية في قيمة الباقي منه، (والنَّبيُّ صلعم أَقْرَعَ بَيْنَهُم فَأَعْتَقَ اثنينِ مِنْهُم)، وهذا مخالفٌ لما يقوله أبو حنيفةَ.


[1] في المطبوع: ((واستسعى به)).
[2] قوله: ((◙)) ليس في المطبوع.
[3] في المطبوع: ((فصل)).