شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: أي الرقاب أفضل؟

          ░2▒ بَابُ أيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟
          فيهِ أَبُو ذَرٍّ: (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلعم: أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَغْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يفْعَلْ(1)؟ قَالَ: تُعِينُ ضَائعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ، قَلَت: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ(2) بِهَا على نَفْسِكَ). [خ¦2518]
          المُهَلَّبُ: إنَّما(3) قرَنَ الجهاد في سبيل اللهِ بالإيمان به؛ لأنَّه كان عليهم أنْ يُجَاهدوا في سبيلِ اللهِ حتَّى تكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا، وحتَّى يفشو الإسلام وينتشر، فكان الجهاد ذلك الوقت أفضل مِنْ كلِّ عملٍ.
          وقوله: (أَغْلاَهَا ثَمَنًا وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا)، فمعنى ذلك أنَّ مَن اشتراها بكثيرِ الثَّمنِ، فإنَّما فعَل ذلك لنفاستها عنده، ومَنْ أعتقَ رقبةً نفيسةً عنده وهو مغتبطٌ بها، فلم يُعتقْها إلَّا لوجِه اللهِ ╡، وهذا الحديث في معنى قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عِمْرَان:92]، وكان لابنِ عُمَرَ جاريةٌ يحبُّها فأعتقها لهذه الآية، ثُمَّ ابتغتها نفسه، فأراد أنْ يتزوَّجها فمنعه بنوه، فكان بعد ذلك يقرب بنيها مِنْ غيره لمكانها مِنْ قلبه.
          وقولُه: (تُعِينُ ضَائعًا)، أي تُعِين فقيرًا، (أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ)، يعني عاملًا لا يستطيع عمل ما يحاوله، والخرق لا يكون إلَّا في اليدين، وهو الَّذي لا يحسن الصِّناعات.


[1] في المطبوع: ((أفعل)).
[2] في المطبوع: ((تتصدَّق)).
[3] في المطبوع: ((قال المهلَّب وإنَّما)).