شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى إذا كان مشركًا؟

          ░11▒ بَابُ إِذَا أُسِرَ أَخُو الرَّجُلِ أَوْ عَمُّهُ هَلْ يُفَادَى(1) إِذَا كَانَ مُشْرِكًا؟
          وَقَالَ أَنَسٌ: (قَالَ العَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صلعم: فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيْلًا، وَكَانَ عَلِيٌّ لَهُ نَصِيبٌ في تِلْكَ الغَنِيمَةِ الَّتي أَصَابَ مِنْ أَخِيهِ عَقِيلٍ، وَعَمِّهِ(2) العَبَّاس).
          فيهِ أَنَسٌ: (أَنَّ رِجَالًا مِنَ الأَنْصَارِ اِسْتَأْذَنُوا رَسُوْلَ اللهِ(3) صلعم، فَقَالُوا: اِئْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لِابنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ(4) فِدَاهُ، فَقَالَ(5): لَا تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا). [خ¦2537]
          قالَ المُهَلَّبُ: أُسِرَ العبَّاسُ وعَقِيْلٌ مع مَنْ أُسِرَ يومَ بدرٍ، فأخذَ(6) النَّبيُّ صلعم برأي أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ☺ في استحيائهم، وكره استعبادهم، وأباح(7) لهم أنْ يُفَادُوا أنفسهم بالمال مِنْ ذِلَّةِ العبوديّةِ، فقطعَ كلُّ واحدٍ على نفسِهِ بعددٍ مِنَ المالِ، وقطعَ العبَّاسُ بفدائِهِ، وفداءِ(8) ابن أخيه عَقِيْلٍ، فأراد الأنصارُ أنْ يتركوا فداءَ العبَّاسِ إكرامًا للنَّبِيِّ صلعم لمكان عمومته(9)، وللرَّحم الَّتي(10) تمسُّهم به(11) في الخؤولة، / [فقالَ لَهُم ◙: (لا يَدَعُونَ مِنْهُ(12) دِرْهَمًا)، أرادَ أنْ يوهنَهم بالغُرْمِ ويُضعِّفَهم، وقد تقدَّم هذا المعنى في كتابِ الجهادِ في بابِ فداءِ المشركينَ [خ¦3048].
          وإنَّما ذكر البخاريُّ هذا في كتاب العتق [خ¦2537]، فإنَّه استنبَّط منه أنَّ العمَّ وابنَ العمِّ لا يعتقان على مَنْ ملكهما مِنْ ذوي رحمهما، (لأنَّ النَّبِيَّ صلعم قَدْ مَلَكَ مِنْ عَمِّهِ العَبَّاسِ وَمِنِ اِبنِ عَمِّهِ عَقِيْلٍ بِالغَنِيْمةِ الَّتِي له فِيْهَا نَصِيْبٌ)، وكذلك ملك عليُّ بنُ أبي طَالِبٍ ☺ مِنْ عَمِّهِ العَبَّاسِ، ومِنْ أخيه عَقِيْلٍ المشركين في ذلك الوقت بنصيبه مِنَ الغنيمةِ، ولم يعتقا عليه]
(13)، وهذا حجَّةٌ على مَنْ قالَ مِنَ السَّلفِ: أنَّه مَنْ ملك ذا رحمٍ مَحْرَمٍ أنَّه يعتق عليه، وهو قول الكوفيِّين.
          وفيه حجَّةٌ للشَّافعيِّ في قوله: إنَّه لا يعتق الأخ على مَنْ مَلكه؛ لأنَّ عَقِيْلًا كان أخا عليٍّ ابن أبي طَالِبٍ، فلم(14) يعتق عليه بما ملك مِنْ نصيبه منه.
          وأمَّا تلخيصُ مذاهب العلماء فيمَنْ يعتق على الرَّجل إذا ملكه، فذهب مالكٌ إلى(15) أنَّه لا يعتق عليه إلَّا أهل الفرائض في كتاب الله، وهم: الولد ذكورهم(16) وإناثهم وولد الولد وإن سفلوا وأبواه وأجداده وجدَّته(17) مِنْ قبل الأب والأمِّ(18) وإن بعدوا، وإخوته لأبوين أو لأبٍ أو لأمٍّ، وبه قال الشَّافعيُّ، إلَّا في الإخوة فإنَّهم لا يعتقون على ما تقدَّم في هذا الباب.
          وقال الكوفيُّون: مَنْ ملك ذا رحمٍ مَحْرَمٍ أنَّه يعتق عليه، ورُوِيَ ذلك عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وابنِ مَسْعُودٍ وعن عَطَاءٍ والشَّعْبِيِّ والحَسَنِ والحَكَمِ والزُّهْرِيِّ، وحُجَّة هذا القول ما رواه ضَمْرَةُ عنِ الثَّوْرِيِّ عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ عن ابنِ عُمَرَ عنِ النَّبِيِّ صلعم قالَ(19): ((مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ))، ورواه الحَسَنُ عن سَمُرَةَ عن النَّبيِّ صلعم. وقال ابنُ المُنْذِرِ: قد(20) تكلَّم النَّاس في هذين الحديثين، فقالوا: لم يروِ حديث ابنِ عُمَرَ عن الثَّوْرِيِّ غير ضَمْرَةُ وحديث الحَسَنِ عن سَمُرَةَ، وقد تُكلِّمَ فيهما وليس منهما ثابتٌ(21).
          والحجَّةُ لمالكٍ أنَّه لا يجوزُ مُلكُ(22) الأخِ وأنَّه يعتقُ على مَنْ ملكه قولُه تعالى حكايةً عن موسى ◙: {رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي}[المائدة:25]، وكما(23) لا يجوزُ أنْ يسترقَّ نفسه، كذلك لا يجوزُ أنْ يسترقَّ أخاهُ(24) وحجَّةُ الجميع في أنَّه لا يجوزُ مُلك الأبوين قوله تعالى: {فَلَا(25) تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا}[الإسراء:23]، واسترقاقهما أعظمُ مِنْ قول أفٍّ، والأجداد داخلون في اسم الآباء، ولم يجز ملك الولد لقوله تعالى: {وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا(26). إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا}[مريم:92-93]، فلا يجوزُ أنْ يُستعبدَ الابنُ بهذا النَّصِّ.


[1] في (ص): ((يُفدى)).
[2] في (ز): ((ومِنْ عمِّه)).
[3] في (ز): ((النَّبيِّ)).
[4] في (ز): ((العبَّاس)).
[5] زاد ي (ز): ((النَّبيُّ صلعم)).
[6] زاد في (ز): ((فيهم)).
[7] في (ز): ((أباح)).
[8] في (ز): ((وقال)).
[9] زاد في (ز): ((له)).
[10] في (ز): ((الَّذي)).
[11] قوله: ((به)) لعلَّه ليس في (ص).
[12] في المطبوع: ((لا تدعوا منه)).
[13] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[14] في (ز): ((ولم)).
[15] قوله: ((إلى)) ليس في (ز).
[16] في (ز): ((ذكرهم)).
[17] في (ز): ((وجداته)).
[18] في (ز): ((أو الأمِّ)).
[19] قوله: ((قال)) ليس في المطبوع.
[20] في (ز): ((وقد)).
[21] في (ز): ((وقد تكلَّم فيه وليس منها ثابت)).
[22] في (ز): ((تملَّك)).
[23] في (ز): ((فكما)).
[24] في (ص): ((أخيه)).
[25] في (ز): ((ولا)).
[26] في (ز): (({مَا كَانَ لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ})).