شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون

          ░15▒ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم: (العَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ، فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ)
          وَقَوْلِهِ تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}إلى(1) {وَمَا(2) مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النِّساء:36]
          فيهِ أَبُو ذَرٍّ: (كَانَتْ عَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ(3)، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: إنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا، فَشَكَاني إِلَى النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ لِي(4) النَّبيُّ صلعم: أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟، فقَالَ(5): إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ). [خ¦2545]
          قالَ المُهَلَّبُ: فيهِ الحضُّ على كِسوةِ المملوك وإطعامِهِ بالسَّواء مثل طعام المالك وكسوته، وليس ذلك على الإيجاب عند العلماء، وإنَّما على المالك أنْ يكسوَ ما يسترُ العورةَ ويدفعُ الحَرَّ والبردَ، ويطعمُ ما يسدُّ الجوعةَ ما لم يكنْ فيهِ ضررٌ على المملوك؛ لأنَّ المولى إذا(6) كانَ مِمَّنْ يأكلُ الفراريجَ والفِراخَ ويأكلُ السَّميد(7) والأطعمة الرَّقيقة، وكانت كسوته الشَّطَوِيَّ والنَّيْسَابُوْرِيَّ، لم يكن عليه في مذهبِ أحدٍ مِنْ أهلِ العلم أنْ يطعم رقيقه ولا يكسوهم مِنْ ذلك؛ لأنَّ هذه الأطعمة والكسوة الَّتي ذكرناها لم يكنْ أحدٌ مِنْ أصحابِ النَّبيِّ صلعم الَّذين(8) خاطبهم بما خاطبهم به يأكلُ مثلها، إنَّما كان الغالب مِنْ قوتهم(9) التَّمر والشَّعير.
          وَقَدْ رَوَى أبو هريرةَ عَنِ النَّبِيِّ صلعم: ((لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ /
          [بِالمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ العَمَلِ مَا لَا يُطِيْقُ))، فمَنْ زادَ المملوك على مَا فرضَ(10) عليه مِنْ قُوتِه وكِسْوتِه بالمعروفِ كان متفضِّلًا متطوِّعًا. وقال رَبِيْعَةُ بنُ أبي عبدِ الرَّحمنِ: لو أنَّ رجلًا عَمِلَ لنفسِه خبيصًا فأكله دون خادِمه، ما كان بذلك بأسٌ، وكانَ يرى أنَّه إذا أطعمَ خادمه مِنَ الخبيصِ(11) الَّذي يأكلُ(12) منه فقد أطعمه مِمَّا يأكلُ منه؛ لأنَّ (مِنْ) عندَ العربِ للتَّبعيضِ، ولو قال: أطعموهم مِنْ كلِّ ما تأكلون، لوجب حينئذٍ إطعامُهم مِنَ الخبيصِ ومِنْ كُلِّ شيءٍ، وكذلك](13) في الِّلباسِ.
          وقوله: (لَا(14) تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ) هو كقولِ الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:286]، ولَمَّا لم يكلِّفنا اللهُ تعالى فوقَ طاقَتِنا ونحن عبيدُه، وَجَبَ أنْ نمتثلَ حُكمَه وطريقته ╡ في عبيدنا.
          وقوله: (فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ) فيهِ جوازُ تكليف مَا فيه المشقَّة، فإنْ كانت غالبةً وجب العونُ عليها، ورَوَى هِشَامُ بنُ عُرْوَةَ عن أبيه عن عائشةَ قالت: قال رسولُ اللهِ صلعم: ((لَا تستخدِمُوا رَقِيقكَم بالَّليلِ(15)، فإنَّ النَّهارَ لَكُم، والَّليلُ لَهُمْ))، ورَوَى مَعْمَرٌ عن أيُّوبَ عن أبي قِلَابَةَ، يرفعُه إلى سَلْمَانَ: أنَّ رجُلًا أتاه وهو يعجِنُ، فقالَ: أينَ الخادمُ؟ قالَ(16): أرسلته في حاجةٍ، فلم يكنْ لِيجمعَ عليه شيئين(17) أنْ يرسلَه ولا يكفيه عملَه.
          وفيهِ الوصاةُ مِنَ النَّبِيِّ صلعم بما ملكت أيماننا؛ لأنَّ الله تعالى وصَّى(18) بهم في كتابه.
          وفيهِ أنَّه لا حدَّ على مَنْ قَذَفَ عبدًا ولا عقوبة ولا تعزير، وقد قال بعضُ العلماءِ: إنْ كانَ العبدُ رجلًا صالحًا، فأرى أنْ يُعاقبُ القاذف له والمؤذي.


[1] في (ز): (({شَيْئًا وبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} الآية)).
[2] في (ص): ((ما)).
[3] قوله: ((حلَّة)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((لي)) ليس في (ز).
[5] في (ز): ((ثمَّ قال)).
[6] في (ز): ((إنَّ)).
[7] في (ز): ((والفراخ وخبز السَّميد)).
[8] في (ز): ((الَّذي)).
[9] زاد في (ز): ((بالمدينة)).
[10] في المطبوع: ((فإنْ زادَ على ما فرضَ)).
[11] في المطبوع: ((الخبز)).
[12] في المطبوع: ((أكل)).
[13] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[14] في (ز): ((ولا)).
[15] زاد في (ز): ((والنَّهار)).
[16] في (ز): ((فقال)).
[17] في (ز): ((ثنتين)).
[18] في (ز): ((أوصى)).