شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية

          ░13▒ بَابُ مَنْ مَلَكَ مِنَ العَرَبِ رَقِيقًا فَوَهَبَ وَبَاعَ وَجَامَعَ وَفَدَى وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ
          وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا(1)} إِلَى قَوْلِهِ: {لَا يَعْلَمُونَ}[النَّحل:75].
          فيهِ مَرْوَانُ وَالمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ(2): (أَنَّ النَّبِيَّ ◙ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ مَعِيَ مَنْ تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ، اخْتَارُوا(3) إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا المَالَ، وَإِمَّا السَّبْيَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ). [خ¦2539] [خ¦2540]
          وَكَانَ النَّبيُّ صلعم انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبيَّ صلعم غَيْرُ رَادٍّ لَهُمْ(4) إِلَّا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا(5) نَخْتَارُ سَبْيَنَا، فَقَامَ النَّبيُّ صلعم في النَّاسِ(6)، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ(7) جَاؤُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ(8) حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ(9) مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا، فَلْيَفْعَلْ، وقَالَ(10) النَّاسُ: طِبْنَا لَكَ، قَالَ: (إِنَّا(11) لَا نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ، فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ(12) إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ، فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ◙(13) فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ(14) طَيَّبُوا وأَذِنُوا(15)). /
          وَقَالَ [أَنَسٌ: قَالَ عَبَّاسٌ: فَادَيْتُ نَفْسِي، وَفَادَيْتُ عَقِيْلًا.
          وفيهِ ابنُ عُمَرَ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم أَغَارَ عَلَى بَنِي المُصْطَلِقِ، وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى المَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ، وَسَبَى ذُرِّيَّتَهُم(16)، وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَّةَ). [خ¦2541]
          وفيهِ أَبُو سَعِيْدٍ(17): (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم فِي غَزْوَةِ َبَنِي المُصْطَلِقِ، فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْي العَرَبِ، فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ(18)، وَأَحْبَبْنَا العَزْلَ(19)) الحديثَ. [خ¦2542]
          وفيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: (مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلَاثٍ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ فِيهِمْ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ(20): وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا، وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا، فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ). [خ¦2543]
          ((فِي هَذِهِ الآثَارِ أنَّ النَّبِيَّ صلعم سَبَى العَرَبَ واسْتَرقَّهُم مِنْ هُوازنَ وَبَنِي المُصْطَلِقِ وَغَيْرِهِمْ، وقَالَ ◙ لعائشةَ في السِّبِيَّةِ التَّمِيْمِيَّةِ: أَعْتقِيْهَا، فَإِنَّها مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيْلَ))، فصحَّ بهذا كلِّه جواز اِسْتِرْقَاق العَربِ وتملُّكهم كسائر فرق العجم، وأجمع العلماء أنَّ مَنْ وَطِئَ(21) أَمَةً له بملك يمينِهِ أنَّ ولده منها أحرارٌ، عربيَّةٌ كانت أو عجميَّةٌ.
          واختلفوا إذا تزوَّج العربيُّ أَمَةً، هلْ يكونُ ولده منها رقيقًا تَبَعًا لها أم لا؟ فقال مالكٌ والكوفيُّون والَّليْثُ والشَّافعيُّ: الولد(22) مملوكٌ لسيِّد الأَمَةِ تبعٌ لِأُمِّهِ(23)، والحجَّة لهم أحاديث هذا الباب في سبي النَّبيِّ صلعم العرب واسترقاقهم.
          وقال الثَّوْرِيُّ والأوزاعيُّ وأبو ثَوْرٍ وإِسْحَاقُ: يلزم سيِّد الأَمَة أنْ يقومه على أبيه، ويلزم أباه أداء القيمة إليه ولا يسترقُّ، وهو(24) قول سَعِيْدِ بنِ المُسَيَّبِ، واحتجُّوا بما رُوِيَ عن عُمَرَ أنَّه قال لابنِ عَبَّاسٍ: لا يسترقُّ ولدٌ عربيٌّ مِنْ أَمَةٍ وفيه عبدان.
          وقال(25) الَّليْثُ: أمَّا ما رُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ في فداء ولد العرب(26) مِنَ الولائد سِتُّ فرائض، إنَّما كانَ مِنْ أولاد الجاهليَّة، وفيما أقرَّ به الرَّجل مِنْ نِكَاحِ الإِماء، وأمَّا(27) اليوم فَمَنْ تزوَّج أَمَةً وهو يعلمُ أنَّها أَمَةٌ فولدُه عبدٌ لسيِّدِها، عربيًّا كان أو قرشيًّا(28) أو غيره.
          ومِنْ حجَّة مَنْ جعلَهُ(29) رقيقًا ((أَنَّ النَّبِيَّ صلعم لَمَّا سوى بينَ العَرَبِ وَالعَجَمِ فِي الدِّمَاءِ فَقَالَ: المُؤمِنُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُم))، وأجمع العلماء(30) على القولِ بهِ، وجبَ إذا اختلفوا فيما دون الدِّماءِ أنْ يكونَ حُكْمُ ذلكَ حُكْمُ الدِّماءِ.
          قالَ المُهَلَّبُ: وقولُ النَّبيِّ صلعم لعائشةَ: (أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ)، يدلُّ على جواز تملُّك العرب، إلَّا أنَّ عتقهم أفضل لمراعاة الرَّحم الَّتي تجمعهم، وكذلك قالَ(31) عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ في خلافته لِمَنْ(32) مَلَكَ رقيقًا مِنَ العربِ الَّذين ارتدُّوا في خلافةِ أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ☺(33)، قال: إنَّ اللهَ تعالى قد أوسع عليكم في سبي أهل الكتاب مِنْ غيرِ العربِ، وإنَّ مِنَ العارِ أنْ يملكَ الرَّجلُ بنتَ ابنِ عمِّهِ، فأجابوه إلى ما حضَّ عليه، وهذا كلُّه على وجهِ النَّدبِ لا على أنَّه لا يجوز تملُّكهم.
          قال غيره: وفي حديث سبي هَوَازِنَ وبني المُصْطَلِقِ، وقول أبي سَعِيْدٍ: واشتهينا النِّساءَ، دليلٌ على أنَّ الصَّحابةَ أطلقوا على وَطْئِ مَا وقعَ في سهمانهم مِنَ السَّبي، وذلك(34) لا يكون إلَّا بعَد الاستبراءِ بإجماعِ العلماءِ، وهذا يدلُّ على أنَّ السَّبي يقطع العِصمة بين الزَّوجين الكافرين.
          واختلفَ السَّلفُ في حُكمِ وَطْءِ الوثنيَّاتِ والمجوسِيَّاتِ إذا سُبِيْنَ، فَأَجَازَ ذلك سَعِيْدُ بنُ المُسَيَّبِ، وعَطَاءٌ وطَاوُسٌ ومُجَاهِدٌ وحُجَّتُهم: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم أَبَاحَ وَطْءَ سَبَايَا العَرَبِ إذا حَاضَتِ الحَائِضُ أَو وَضَعَتِ الحَامِلُ مِنْهُنَّ)).
          وهذا القول شذوذ عند العلماء لم يلتفت أحدٌ إليه(35)، واتَّفقَ أئمة الفتوى بالأمصار وعامَّةُ العلماء على أنَّه لا يجوزُ وطْءُ الوثنيَّاتِ لقولِه تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حتى يُؤْمِنَّ}[البقرة:221]، وإنَّما أباحَ اللهُ تعالى وَطْءَ نساءِ أهل الكتاب خاصَّةً بقوله تعالى: {وَالمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[المائدة:5]، إنَّما(36) أطلقَ النَّبيُّ صلعم أصحابَه على وَطْءِ سبايا العرب بعد إسلامهنَّ؛ لأنَّ سبيَ هَوَازِنَ كان سنةَ ثمانٍ، وسبيَ بني المُصْطَلِقِ سنةَ ستٍّ، وسورةُ البقرة مِنْ أوَّل مَا نَزَلَ بالمدينة، فقد كانوا علموا قوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة:221]، وتقرَّرَ عندهم أنَّه لا يجوز وَطْءُ الوثَنيَّات البتَّة حَتَّى يسلموا(37).
          رَوَى(38) عبدُ الرَّزَّاقِ قال: حدَّثنا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ قال: حدَّثنا يُونُسُ بنُ عُبَيْدٍ، أنَّه سَمِعَ الحَسَنَ يقول: كنَّا نغزو مع أصحاب رسول الله صلعم فإذا أصاب أحدُهم الجاريةَ(39) مِنَ الفيءِ، فأرادَ أنْ يصيبَها أمرها فاغتسلت، ثُمَّ عَلَّمَها الإسلامَ وأمرَها بالصَّلاة، واستبرَأَها بحيْضةٍ ثُمَّ أصابَهَا. قالَ: وسمعتُ الثَّوْرِيَّ يقولُ: أمَّا السُّنَّةُ، فلا يقع عليها حتَّى ُتصلِّي إذا استبرأَها، وعمومُ قوله تعالى: {وَلَا تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ}[البقرة:221]، يقتضي تحريم وطْءِ المجوسيَّاتِ بالتَّزويجِ وبملك اليمين، أَلَا ترى: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم سَنَّ أَنْ تُؤْخَذَ الجِزَيَةُ مِنَ المجُوْسِ عَلَى أَلَّا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُم، وَلَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ))، وعلى هذا أئمة الفُتْيَا(40) وعامَّة العلماء.
          وأمَّا قولهم: وأحببنا الفداء وأردنا أنْ نعزلَ، فقد استدلَّ بهذا(41) جماعةٌ مِنَ العلماءِ في منع بيع أمِّ الولَدِ، وقالوا: معلومٌ أنَّ الحَمْلَ مِنْهُنَّ يمنع الفداء ويذهب بالثَّمن، والعلماء مُجْمِعُون على أنَّه لا يجوزُ بيعُها وهي حاملٌ، فإذا وضعت فهي على الأصلِ الَّذي اتَّفقوا عليه مِنْ مَنعِ البيع، ولا يجوز الانتقال عنه إلَّا باتِّفاقٍ آخرَ، وأئمة الفتوى بالأمصار مُتَّفقون على أنَّه لا يجوزُ بيع أمِّ الولد، وإنَّما خالف ذلك أهل الظَّاهر وبِشْرٌ المَرِيْسِيُّ، وهو شذوذٌ لا يُلْتَفَتُ إليه.
          قال ابنُ القَصَّارِ: وقد روى عِكْرِمَةُ عن ابنِ عَبَّاسٍ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ لَمَّا وَلَدَتْ أُمُّ إبراهيمَ: أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا، وَقَالَتْ عائشةُ: مَا خَلَّفَ النَّبِيُّ صلعم عَبْدًا وَلَا أَمَةً، وَقَدْ كَانَ خَلَّفَ مَارِيَّةَ، فَعَلِمَ أَنَّهَا عُتِقَتْ بِمَوْتِهِ، وَلَم تَكُنْ أَمَةً، وَقَدْ قَالَ ◙: لا نُورِّثُ مَا ترَكْنا صَدَقَةً))، ولم يُنْقَل أنَّ ماريَّةَ كانتْ صدقةً، فعلم أنَّها عُتِقَتْ بموته ◙ ولم تكن مِمَّا تركَهُ.
          قال: وأمَّا قوله ◙: (مَا عَلَيْكُم ألَّا تَفْعَلُوا)، فقد احتجَّ بهذا مَنْ أباحَ العَزْل ومَنْ كَرِهَهُ.
          واختلفَ السَّلفُ في ذلك قديمًا، وإباحةُ العَزْلِ أظهرُ في الحديث، روى مالكٌ عن سَعْدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ وأبي أيُّوبٍ الأنصاريِّ وزَيْدِ بنِ ثابتٍ وابنِ عَبَّاسٍ أنَّهم كانوا يَعْزِلُون، ورُوِيَ ذلك أيضًا عنِ ابنِ مَسْعُودٍ وجابرٍ، وذكرَ مالكٌ أيضًا عن ابنِ عُمرَ أنَّه كَرِهَ العَزْلَ، ورَوَى كراهيته عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ وعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ ☻، وقد رُوِيَ عنْ عليِّ بنِ أبي طَالِبٍ ☺ القولان جميعًا.
          واحتجَّ مَنْ كَرِه العَزْلَ بما رواه أبو الأَسْوَدِ عن عُرْوَةَ عن عائشةَ قال(42): وحدَّثتني خُزَامَةُ بنتُ وَهْبٍ الأَسَدِيَّةِ قالت: ((ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم العَزْلُ فَقَالَ: ذَلَكَ الوَأْدُ الخَفِيُّ)).
          واتَّفقَ أئمةُ الفَتوى على جوازِ العَزْل عَنِ الحُرَّةِ إذا أَذِنَت فيه لزوجِها، واختلفوا في الأَمَةِ الزَّوجة، فقال مالكٌ وأبو حنيفةَ: الإذن في ذلك إلى مولاها، وقال أبو يُوسُفَ: الإذن في ذلك إليها. وقال الشَّافعيُّ: يَعزِلُ عنها دون إذنها ودون إذن مولاها.
          واحتجَّ مَنْ أباحَ العَزْلَ بما رَوَى الَّليْثُ(43) وغيره عن يَزِيْدَ بنِ أبي حَبِيْبٍ عن مَعْمَرِ ابن أبي حَبِيْبَةَ(44) عن عُبَيْدِ اللهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ قال: تذاكرَ أصحابُ النَّبِيِّ صلعم عندَ عُمَرَ العَزْل، فاختلفوا فيه، فقال عُمَرُ: قد اختلفتم وأنتم أهلُ بدرٍ الأخيار، فكيف بالنَّاس بعدكم؟ فقال عليُّ بنُ أبي طَالِبٍ: لا تكون موؤدةً حتَّى يمرَّ بالتَّاراتِ السَّبعِ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ}[المؤمنون:12]إلى آخر الآية.
          وروى سُفْيَانُ عنِ الأَعْمَشِ عن أبي الوَدَّاكِ عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّه سُئِلَ عَنِ العَزْل، فَذَكَرَ مِثْلَ كلامِ عليٍّ سواءً، قال الطَّحَاوِيُّ: فهذا عليٌّ وابنُ عَبَّاسٍ قد اجتمعا على ما ذكرنا وتابعهما(45) عُمَرُ، ومَنْ كانَ بحضرتهما مِنْ أصحابِ النَّبِيِّ صلعم، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ العَزْل غير مكروهٍ.
          قال الطَّحاويُّ: وقوله ◙: ((مَا عَلَيْكُمْ ألَّا تَفْعَلُوا))، إلى آخرِ الحديثِ، فيه دليلٌ أنَّ العزلَ غيرُ مكروهٍ؛ لأنَّه ◙ لَمَّا أخبروه أنَّهم يفعلونه(46) لم يُنكره عليهم، ولا نَهاهم عَنه، وقال: ((مَا عَلَيْكُم ألَّا تَفْعَلوا فَإِنَّمَا هُوَ القَدَرُ))، أي فإنَّ اللهَ تعالى إذا قدَّر يكونُ الولدُ، لم يمنعْه عَزْلٌ، ووصل اللهُ مِنَ الماء إلى الرَّحمِ شيئًا وإنْ قلَّ يكونُ منهُ الولدُ، وإذا لم يُقَدِّر(47) كونه لم يكن بالإفضاء]
(48)، [فأعلمهم ◙ أنَّ الإفضاء لا يكون منه ولدٌ إلَّا بِقَدَرِ اللهِ، وأنَّ العَزْل لا يمنع الولد إذا سبق في علمِ اللهِ أنَّه كائنٌ، وقالَ ابنُ مَسْعُودٍ: لو أنَّ النُّطفةَ الَّتي أخذَ اللهُ ميثاقَها كانت في صخرةٍ لنفخَ فيها الرُّوحَ، قال: وفي قوله ◙: ((مَا مِنْ نَسمةٍ كائنةٍ إلَّا وَهِيَ كائنةٌ))، إثباتُ قِدَمِ(49) العلم، وأنَّ العباد يجرون في علم الله وقدره، والقدر هو سِرُّ اللهِ وعلمه](50) لا يُدْرَك بحجَّةٍ ولا بجدالٍ، وأنَّه لا يكونُ في مُلكه إلَّا مَا شاء ╡، ولا يقوم شيءٌ إلَّا بإذنه(51) له الخلقُ والأمرُ.
          قالَ المُهَلَّبُ: وقول أبي هريرةَ: ((مَازِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ؛ لِأَنَّهم أَشَدُّ الأُمَّةِ عَلَى الدَّجَّالِ))، وَقَد رُوِيَ عَنْهُم(52) أنَّهُم كانُوا يختارون ما يُخْرِجُون في الصَّدَقَاتِ مِنْ أَفْضَلِ مَا عِنْدَهُم، فَأُعْجِبَ النَّبِيُّ صلعم بِفَرَاهِيَّتِهَا، فقالَ هذا القول على معنى المبالغة في نُصحِهِم للهِ ╡ وَلِرَسُولِهِ(53) ◙ في جودةِ الاختيارِ للصَّدقةِ، وقوله تعالى: {وضَرَبَ اللهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ على شَيْءٍ}[النَّحل:75]، فقد تأوَّل بعضُ النَّاسِ في(54) هذه الآيةِ أنَّ العبدَ لا يملك، وسأذكر الاختلاف في ملك العبد في باب العبد راعٍ في مالِ سيِّدِه بعد هذا، وأذكرُ تأويلَ هذه الآية فيه، إنْ شاء الله [خ¦2409]، وقول ابنِ عُمَرَ: وَهُم(55) غارَّون يعني على غرَّة(56).


[1] قوله: (({وَمَنْ رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا})) ليس في (ص).
[2] قوله: ((ابن مخرمة)) ليس في (ز).
[3] في (ز): ((واختاروا)).
[4] في (ز): ((إليهم)).
[5] قوله: ((فإنَّا)) ليس في (ز).
[6] قوله: ((في النَّاس)) ليس في (ز).
[7] في (ز): ((ثُمَّ قَالَ: إنَّ إِخْوَانَكُمْ)).
[8] في (ز): ((حقِّه)).
[9] قوله: ((إيَّاه)) ليس في (ز).
[10] في (ز): ((فقال)).
[11] في (ز): ((طبنا لك فقال النَّبيُّ صلعم إنَّا)).
[12] في (ص): ((يرجع)).
[13] قوله: ((فَرَجَعَ النَّاسُ، فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إلى النَّبِيِّ ◙)) ليس في (ز).
[14] قوله: ((قد)) ليس في (ز).
[15] قوله: ((وأذنوا)) ليس في (ز).
[16] في المطبوع: ((ذراريهم)).
[17] زاد في المطبوع: ((قال)).
[18] زاد في المطبوع: ((فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا العُزْبَةُ)).
[19] زاد في المطبوع: ((فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ صلعم، فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَلَّا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلى يَوْمِ القِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ)).
[20] زاد في المطبوع: ((قال)).
[21] صورتها في (ز): ((وصى)).
[22] زاد في المطبوع: ((أنَّ)).
[23] في المطبوع: ((لها)).
[24] في المطبوع: ((وهذا)).
[25] في المطبوع: ((قال)).
[26] في المطبوع: ((العربيِّ)).
[27] في المطبوع: ((فأمَّا)).
[28] في المطبوع: ((فارسيًّا)).
[29] في المطبوع: ((جعلهم)).
[30] في المطبوع: ((العرب)).
[31] في المطبوع: ((فعل)).
[32] في المطبوع: ((بمن)).
[33] قوله: ((الصِّدِّيق ☺)) ليس في المطبوع.
[34] في المطبوع: ((وهذا)).
[35] في المطبوع: ((إليه أحد)).
[36] في المطبوع: ((فإنَّما)).
[37] في المطبوع: ((يسلمْنَ)).
[38] في المطبوع: ((وروى)).
[39] في المطبوع: ((جارية)).
[40] في المطبوع: ((الفتوى)).
[41] في المطبوع: ((به)).
[42] في المطبوع: ((قالت)).
[43] في المطبوع: ((رُوِيَ عنِ الَّليث)).
[44] في المطبوع: ((حبيب)).
[45] في المطبوع: ((ووافقهما)).
[46] في المطبوع: ((يفعلون ذلك)).
[47] في المطبوع: ((وإنْ لم يقدر)).
[48] ما بين معقوفتين ليس في (ص) وهو قدر ورقة من المخطوط.
[49] قوله: ((قِدَمٍ)) ليس في المطبوع.
[50] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).
[51] في (ز): ((بإرادته)).
[52] قوله: ((عنهم)) ليس في (ز).
[53] في (ز): ((ورسوله)).
[54] في (ز): ((من)).
[55] في (ص): ((وقول عمر هم)).
[56] زاد في (ز): ((أي غفلة)).