شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين أو أمة بين الشركاء

          ░4▒ بَابُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ أَمَةً بَيْنَ شُّرَكَاءِ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ). [خ¦2521]
          وَقَالَ مَرَّةً: (قُوِّمَ عَلَيْهِ بقِيمَةِ العَدْلِ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ(1) عَلَيْهِ العَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ). [خ¦2522]
          وكانَ(2) ابنُ عُمَرَ يُفتي في العبدِ والأَمَةِ تكونُ بين الشُّركاء بذلك.
          اختلفَ الفُقهاءُ في العبد إذا كانَ بين رجلين، فأعتق أحدهما نصيبه، فقالت طائفةٌ: لا يجبُ عليه الضَّمان بقيمة نصيب شريكه بعتاقه(3) إلَّا أنْ يكونَ موسرًا على ظاهر حديث ابنِ عُمَرَ، قالوا: وإنَّما في حديثِ ابنِ عُمَرَ وجوبُ الضَّمانِ على الموسرِ خاصةً دونَ المعسرِ، يدلُّ على ذلك قولُه ◙: (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ)، هذا قولُ ابنِ أبي ليلى ومالكٍ والثَّوْرِيِّ وأبي يُوسُفَ ومُحَمَّدٍ والشَّافعيِّ.
          وقالَ زُفَرٌ: يضمَّن قيمة نصيبِ شَريكِهِ مُوسرًا كانَ أو مُعسرًا، ويخرج العبد كلَّه حرًّا، وقال: العِتقُ مِنَ الشَّريك الموسر جنايةٌ على نصيب شريكه يجبُ بها عليه ضمان قيمته في مالِهِ، ومَنْ جَنَى على مال رجلٍ وهو مُوسرٌ أو مُعسرٌ، وجب عليه ضمان ما أتلف بجنايته، ولم يفترق حكمه إن كانَ مُوسرًا أو مُعسرًا في وجوب الضَّمان عليه.
          وهذا(4) مخالفٌ للحديث، فلا وجه له؛ لأنَّ قولَه ◙: (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ)، دليلٌ أنَّ مَا بقي مِنَ العبدِ لم يدخله عتاقٌ، فهو رقيقٌ للَّذي لم يعتق على حاله، ولو فقدَ العتق في الكلِّ إذا كانَ مُعسرًا لرجع(5) الشَّريك إلى ذِمَّةٍ غير مليَّةٍ، فلا يحصل له عوضٌ، وفي هذا إضاعة المال وإتلافٌ له، وقد نهي عن ذلك.
          واختلفوا في معنى هذا الحديث، فقال مالكٌ في المشهور عنه: للشَّريكِ أنْ يعتقَ نصيبَهُ قبلَ التَّقويمِ كما أعتقَ شريكَهُ أوَّلًا، ويكونَ الولاءُ بينهما، ولا ينعتقُ(6) نصيبُ الشَّريكِ إلَّا بعدَ التَّقويمِ وأداءِ القيمةِ.
          وقال أبو يُوسُفَ ومُحَمَّدٌ والشَّافعيُّ: إنْ كانَ المعتقُ الأوَّلُ مُوسرًا عتقَ(7) جميع العبدِ حينئذٍ وكانَ حرًّا، ولا سبيلَ للشَّريكِ على العبدِ، وإنَّما له قيمة نصيبه على شريكه كما لو قتَله، قالوا: لأنَّ النَّبيَّ صلعم قالَ: (مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ(8) ثُمَّ يُعْتِقُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا).
          فأمر بالتَّقويم الَّذي(9) يكون في الشَّيء المتلف، فعلم أنَّه إذا أعتق نصيبه فقد أتلف نصيب شريكه بالعتق، فلزمته القيمة، وقد رُوِيَ مثله عن مَالِكٍ.
          والحجَّة(10) في مشهورِ مذهبه أنَّ نصيبَ كلِّ واحدٍ مِنَ الشَّريكين غيرُ تابعٍ لنصيب صاحبه، والدَّليل على ذلك أنَّه لو باعَ أحدُهما نصيبه لم يصر نصيب شريكه مبيعًا، فكذلك لا يصير نصيب شريكه حرًّا بعتق نصيبه.
          وأيضًا فإنَّه لو أعتقَ نصيب شريكه ابتداءً لم يعتق، وكذلك يجب إذا ابتدأ عتق نصيب شريكه أنْ ينعتقَ، وينعتقَ نصيبه بعتق نصيب شريكه، فلمَّا لم يكنْ نصيبُه هاهنا تبعًا ولا سرى إليه العتق، كذلك لا يكون نصيب شريكه تبعًا لنصيبه ولا يسري إليه العتق، واحتجَّ مالكٌ في «المدوَّنَةِ»، فقال: ألا ترى أنَّه لو ماتَ العبدُ قبل التَّقويم لم يلزم المعتق الأوَّل شيءٌ.


[1] في المطبوع: ((وأعتق)).
[2] زاد في المطبوع: ((وقال كان)).
[3] في المطبوع: ((لعتاقه)).
[4] زاد في المطبوع: ((قول)).
[5] في المطبوع: ((يرجع)).
[6] في المطبوع: ((يعتق)).
[7] في المطبوع: ((أعتق)).
[8] زاد في المطبوع: ((قيمة عدل)).
[9] في المطبوع: ((للَّذي)).
[10] زاد في المطبوع: ((مالك)).