شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب عتق المشرك

          ░12▒ بَابُ عِتْقِ المُشْرِكِ
          فيهِ عُرْوَةُ: (أَنَّ حَكِيْمَ بنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الجَاهِلِيَّةِ مائةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مائةِ بَعِيرٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمَلَ عَلَى مائةِ بَعِيرٍ، وَأَعْتَقَ مائةَ رَقَبَةٍ، قَالَ: وَسَأَلْتُ رَسُوْلَ اللهِ(1) صلعم، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَصْنَعُهَا فِي الجَاهِلِيَّةِ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا _يعني أَتَبَرَّرُ بِهَا_ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ(2) صلعم: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ(3) مِنْ خَيْرٍ؟). [خ¦2538]
          أمَّا عتقُ المشرك على وجه التَّطوُّع فلا خلافَ بين العلماء في جوازه، وهذا الحديث حجَّةٌ في ذلك؛ لأنَّ الرَّسولَ ◙ قد جعل عتق المائة رقبةٍ في الجاهليَّة مِنْ أفعال الخيرِ المجازى بها عند الله المتقرَّب بها إليه، ودلَّ ذلك على أنَّ مسلمًا لو أعتق كافرًا لكانَ مأجورًا على عتقه؛ لأنَّ حكيمًا إنَّما جعل له الأجر على ما فعل في جاهليَّته بالإسلامِ الَّذي صارَ إليه، فلم يكن المسلم الَّذي فعلَ مثلَ فعله في الإسلام بدون حالٍ حكيمٌ بل هو أَوْلَى بالأجرِ، واختلفَ(4) في عتق المشرك في كفَّارة اليمين وكفَّارة الظِّهار، فأجازه قومٌ، وقالوا: لَمَّا أُطلقَ اللَّفظُ في عتق رقبة الظِّهار وكفَّارة اليمين، ولم يشترط فيها الإيمان، جاز في ذلك المشرك، ومنع ذلك آخرون، وقالوا: لا يجوز في شيء مِنَ الكفَّارات إلَّا عتق رقبة مؤمنة، واستدلُّوا على ذلك بقوله تعالى في كفَّارة القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ}[النِّساء:92](5)، فقيَّد الرَّقبة بالإيمان، قالوا: فوجب حمل المطلق على المقيَّدِ إذا كان في معناه، وهذا في معناه؛ لأنَّ الكفَّارةَ تجمعُ ذلك، واحتجُّوا على ذلك بأنَّ الله أمرَ بالإشهاد عند التَّبايع، فقال: {وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ}[البقرة:282]، ثُمَّ قيَّد ذلك بالعدالة في موضع آخر بقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ}[الطَّلاق:2]، و{مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء}[البقرة:282]، فلم يجز مِن الشُّهداء إلَّا العدول، فوجب حمل المطلق على المقيَّد.


[1] في (ز): ((رقبة فسأل النَّبِيَّ)).
[2] في (ز): ((يعني أتبرَّر فقال النَّبيُّ)).
[3] قوله: ((لك)) ليس في (ص).
[4] في (ز): ((واختلفوا)).
[5] قوله: ((واستدلُّوا على ذلك بقوله تعالى في كفارة القتل: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ})) ليس في (ز).