شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا قال رجل لعبده: هو لله، ونوى العتق والإشهاد في العتق

          ░7▒ بَابُ إِذَا قَالَ لِلْعَبْدِ: هُوَ لِلَّهِ وَنَوَى العِتْقَ وَالإِشْهَادِ في العِتْقِ
          فيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ: (لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الإِسْلَامَ وَمَعَهُ غُلاَمُهُ، ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَقْبَلَ(1)، وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ صلعم فَقَالَ(2) النَّبِيُّ صلعم: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أَتَاكَ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ). [خ¦2530]
          وقالَ مَرَّةً: (أَبَقَ لِي غُلَامٌ) الحديثَ، فقال: (هُو لِوَجْهِ اللهِ)، وقالَ مرَّةً: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ للهِ.
          قالَ المُهَلَّبُ: لا خلافَ بينَ العلماءِ فيما عَلمْتُ(3) إذا قال في عبدِه: وهو(4) حرٌّ، أو هو لوجهِ اللهِ، أو هو للهِ ونوى به العتقَ أنَّه يلزمه به العتق، وكلُّ ما يفهم به عن المتكلِّم أنَّه أرادَ به العِتقَ لزمه ونفذ عليه، وأّمَّا الإشهادُ في العتقِ فهو مِنْ حقوقِ المُعْتَق، وَيتمُّ العِتقُ عندَ اللهِ ╡، وجميع ما يُراد به وجهه تعالى بالقولِ والنِّيَّة، وإنْ لم يكن ثَمَّ إشهادٌ، وقد قالت امرأةُ عِمْرَانَ: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا}[آل عِمْرَان:35]، أي محرَّرًا لخدمةِ المسجدِ، {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ}[آل عِمْرَان:37]، فتمَّ ما نذرَتْهُ بدعوتها اللهَ ╡، وقَبِلَ اللهُ ذلكَ منها، فكان ما في بطنها موقوفًا لمَا نذرَتْهُ له مِنْ خدمةِ المسجدِ، ولم تُشْهِدْ غيرَ اللهِ ╡.
          وفي هذا الحديث مِنَ الفقهِ العتق عند بلوغِ الأملِ والنَّجاة مِمَّا يُخافُ مِنَ الفتنِ والمحنِ، كما فعل أبو هريرةَ حينَ أنجاه(5) اللهُ مِنْ دارِ الكفرِ، ومِنْ ضلاله في اللَّيلِ عَنِ الطَّريقِ، وأعتقَ الغلام حين جمعه اللهُ عليه وهداه إلى الإسلامِ.


[1] زاد في المطبوع: ((بعد ذلك)).
[2] زاد في المطبوع: ((له)).
[3] زاد في المطبوع: ((أنَّه)).
[4] في المطبوع: ((قال لعبده هو)).
[5] في المطبوع: ((نجَّاه)).