شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده

          ░16▒ بَابُ العَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ سَيِّدَهُ
          فيهِ ابنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ(1) النَّبِيُّ صلعم: (العَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ، وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ(2)،كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ). [خ¦2546]
          وفيهِ أَبُو مُوسَى: قَالَ ◙(3): (لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ النَّاصِحِ أَجْرَانِ، والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلَا الجِهَادُ في سَبِيلِ اللهِ، وَالحَجُّ، وَبِرُّ أُمِّي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ). [خ¦2548]
          قالَ المُهَلَّبُ: لَمَّا كانَ للعبدِ في عِبَاْدَة ربِّه أجرٌ، كانَ(4) له في طاعة سيِّده ونصحه له أجرٌ أيضًا، لكن لا يُقَالُ: إنَّ الأجرين متساويان؛ لأنَّ طاعةَ اللهِ تعالى أوجب مِنْ طاعةِ المخلوقين.
          وفيهِ حَضُّ المملوكِ على نُصحِ سيِّده؛ لأنَّه راعٍ في ماله، وهو مسؤولٌ عمَّا استرعى، فبَانَ أنَّ أثرَ(5) نصحِهِ طاعةُ الله، فلهذا تبيَّن فضلُ أجره في طاعةِ اللهِ ╡ على طاعةِ مولاه.
          وقوله: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي، لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ) هو مِنْ قولِ أبي هريرةَ.
          وفيهِ دليلٌ أنَّه ليس على العبدِ جهادٌ ولا حجٌّ في حالِ العبوديَّةِ، إلَّا أْن يَنزلَ ببلد عدوٍّ، فيلزم الجهادَ كلُّ مسلمٍ يكونُ بذلك(6) البلد، فيجب على العبدِ منه بقدرِ طاقتِه ووسعه، وأمَّا الحجُّ فإنَّما لم يجب عليهِ مِنْ أجلِ أنَّه غيرُ مالكٍ لنفسِهِ، وليسَ له أنْ يَخرجَ عَنْ تصرُّف سيِّدِه ومَا به الحاجةُ إليهِ، وإنَّما خاطبَ اللهُ تعالى مَنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا، والعبدُ غيرُ مُستطيع، وأمَّا برُّ الوالدين فيلزم العبد منه مِنْ خفضِ الجناح ولينِ القول والتَّذلُّل مِمَّا(7) يلزم المسلمين، وأمَّا السَّعي عليهما بالنَّفقةِ والكسوة فلا يلزمه(8)؛ لأنَّ(9) نفقتَه وكسوته على مولاه، وكسبه لمولاه، ولا تصرُّف له في شيءٍ منهُ إلَّا بإذنه.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((الْعَبْدُ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ ونَصَحَ سَيِّدَهُ)).
[3] في (ز): ((النَّبيّ صلعم)).
[4] في المطبوع: ((وكان)).
[5] في (ز): ((أجر)).
[6] في (ز): ((بتلك)).
[7] في (ز): ((ما)).
[8] في (ز): ((فلا يلزم)).
[9] في المطبوع: ((لأنَّه)).