شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الدجاج

          ░26▒ باب: الدَّجَاجِ
          فيه: أَبُو مُوسَى: (رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يَأْكُلُ دَجَاجَةً). [خ¦5517]
          وَقَالَ زَهْدَمٌ الجَرْمِيُّ: (كُنَّا عِنْدَ أبي مُوسَى، وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْحَيِّ مِنْ جَرْمٍ إِخَاءٌ، فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فِيهِ لَحْمُ دَجَاجٍ، وفي الْقَوْمِ رَجُلٌ جَالِسٌ أَحْمَرُ، لَمْ يَدْنُ مِنْ طَعَامِهِ، فَقَالَ: ادْنُ، فَقَدْ رَأَيْتُ النَّبيَّ صلعم يَأْكُلُ مِنْهُ. قَالَ: إِنِّي رَأَيْتُهُ أَكَلَ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ) وذكر الحديث. [خ¦5518]
          قال الطَّبريُّ: كان ابن عمر لا يأكل الدَّجاجة حتَّى يقصرها أيَّامًا؛ لأنَّها تأكل العذرة. قال غيره: وكان يتأوَّل أنَّها من الجلَّالة التي نهى النَّبيُّ صلعم عن أكلها. روى سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قَتادة، عن عِكْرِمَة، عن ابن عبَّاسٍ ((أنَّ النَّبيَّ صلعم نهى عن الإبل الجلَّالة)) وكان ابن عمر إذا أراد أن يأكل بيض الدَّجاجة قصرها ثلاثة أيَّامٍ. وكره الكوفيُّون لحوم الإبل الجلَّالة حتَّى تحبس أيَّامًا. وقال الشَّافعيُّ: أكرهه إذا لم يكن أكله غير العذرة، أو كانت أكثر أكله، وإذا كان أكثر علفها غيره لم أكرهه.
          وقال مالكٌ واللَّيث: لا بأس بلحوم الجلَّالة كالدَّجاج، وما يأكل الجيفة.
          قال أبو حنيفة: الدَّجاجة تخلط، والدَّجاجة لا تأكل إلَّا العذرة وهي التي تُكرَه. فالعلماء مجمعون على جواز أكل الجلَّالة. وقد سئل سَحنون عن خروفٍ أرضعته خنزيرةٌ؟ فقال: لا بأس بأكله.
          قال الطَّبريُّ: والعلماء مجمعون على أنَّ حملًا أو جديًا غُذِّي بلبن كلبةٍ أو خنزيرةٍ أنَّه غير حرامٍ أكله، ولا خلاف أنَّ ألبان الخنازير نجسةٌ كالعذرة. قال غيره: والمعنى فيه أنَّ لبن الخنزيرة لا يدرك في الخروف إذا ذبح بذوقٍ ولا شمٍّ ولا رائحةٍ، فقد نقله الله وأحاله كما يحيل الغذاء، فإنَّما حرَّم الله أعيان النَّجاسات المدركات بالحواسٍّ، فالدَجاجة والإبل الجلَّالة وما شاكلها لا يوجد فيها أعيان العذرات، وليس ذلك بأكثر من النَّبات الذي ينبت في العذرة، وهو طاهرٌ حلالٌ بإجماعٍ، ولا يخلو الزَّرع من ذلك. وإنَّما النَّهي عن الجلَّالة من جهة التَّقذُّر والتَّنزُّه لئلَّا يكون الشَّأن في علف الحيوان النَّجاسات، والنَّهي عن الجلَّالة ليس بقويِّ الإسناد.