شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ذبيحة الأعراب ونحوهم

          ░21▒ باب: ذَبِيحَةِ الأَعرَابِ وَنَحوِهِمْ
          فيه: عَائِشَةُ: (أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلعم: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لا، فَقَالَ: سَمُّوا اللهَ أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ، قَالَتْ: وَكَانُوا حَدِيثِي العَهْدٍ بْكُفْرِ).. [خ¦5507]
          قال المُهَلَّب: هذا أصلٌ أنَّ التَّسمية في الذَّبح ليست بفرضٍ، ولو كانت فرضًا لاشتُرِطت على كلِّ حالٍ. والأمَّة مجمعةٌ أنَّ التَّسمية على الأكل مندوبٌ إليه، وليست بفريضةٍ، فلمَّا نابت عن التَّسمية على الذَّبح دلَّ أنَّها سنَّةٌ؛ لأنَّه لا ينوب عن فرضٍ، وهذا الحديث يدلُّ أنَّ حديث عديِّ بن حاتمٍ وأبي ثعلبة محمولان على التَّنزُّه من أجل أنَّهما كانا صائدين على مذهب الجاهليَّة فعلَّمهما أمر الصَّيد والذَّبح دقيقه وجليله، لئلَّا يواقعا(1) شبهةً من ذلك، ويأخذا بأكمل الأمور في بدء الأمر فعرَّفهم صلعم. وهؤلاء القوم جاءوا مستفتين لأمرٍ قد وقع ويقع من غيرهم، ليس لهم فيه قدرةٌ على الأخذ بالكمال في بدئه، فعرَّفهم صلعم بأصل ما أحلَّه الله لهم، ولم يقل لعديٍّ: إنَّك إن فعلت فإنَّه حرامٌ، ولكن قال له: ((لا تأكل فإنِّي أخاف)) فأدخل عليه الشُّبهة التي يجب التَّنزُّه عنها، والأخذ بالأكمل قبل مواقعتها. ويدلُّ على صحَّة هذا المعنى أنَّه قد يشتدُّ قبل وقوع الأمر ولا يشتدُّ بعد وقوعه: قصَّة اللَّعن لشارب الخمر قبل شربها، ونهيه عن اللَّعنة بعد شربها بقوله صلعم: ((لا تعينوا الشَّيطان على أخيكم)).


[1] في (ص): ((يوقعا)) والمثبت من المطبوع.