عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب ما جاء في الثوم الني والبصل والكراث
  
              

          ░160▒ (ص) بابُ ما جاءَ فِي الثُّومِ النِّيْءِ والبَصَلِ والكُرَّاثِ، وقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : مَنْ أكَلَ البَصَلَ وَالثُّومَ؛ مِنَ الجُوعِ وَغَيْرِهِ؛ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان ما جاء في أكل الثوم النِّيء، وأكلِ البصل والكُرَّاث.
          (الثُّومِ) بِضَمِّ الثاء المُثَلَّثة، وقوله: (النِّيْءِ) بالجرِّ صفةٌ؛ أي: غير النضيج، وهو بكسر النون، بعدها ياءٌ آخر الحروف، ثُمَّ همزةٌ، وقد تُدغَم الياء.
          قوله: (وَالبَصَلِ) أي: وما جاء في البصل.
          قوله: (وَالكُرَّاثِ) أي: وما جاء في الكُرَّاث؛ وهو بِضَمِّ الكاف وتشديد الراء.
          قوله: (وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم ) بالجرِّ، عطفًا على قوله: (مَا جَاءَ) أي: وما جاء في قول النَّبِيِّ صلعم : (مَنْ أَكَلَ البَصَلَ...) إلى آخره، وهذا أيضًا مِن جملة الترجمة، وليس هذا لفظَ الحديث هكذا، بل هذا مِن تصرُّف البُخَاريِّ وتجويزِه نقلَ الحديث بالمعنى.
          فَإِنْ قُلْتَ: ليس في أحاديث الباب ذكرُ (الكُرَّاث)، فَلِمَ ذكره في الترجمة؟
          [قُلْت: قال بعضهم: كأنَّه أشار به إلى ما وقع في بعضِ طرقِ حديثِ جابرٍ، وهذا أَولى مِن قول بعضهم: إنَّهُ قاسه على البصل، انتهى].
          قُلْتُ: روى مسلمٌ في «صحيحه» من حديث جابرٍ قال: نهى النَّبِيُّ صلعم عن أكل البصل والكُرَّاث، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منه، فقال النَّبِيُّ صلعم : «مَن أكل مِن هذه الشجرة المنتنة؛ فلا يقربنَّ مسجدنا»، وفي «مسند الحُمَيْديِّ» بإسنادٍ على شرط «الصَّحيح»: سُئِل جابرٌ عن الثوم، فقال: ما كان بأرضنا يومئذٍ ثومٌ، إِنَّما الذي نهى رسول الله صلعم عنه البصل والكراث)، وفي «مسند السَّرَّاج»: (نهى صلعم عن أكل الكُرَّاث، فلم ينتهوا، ثُمَّ لم يجدوا بدًّا مِن أكلها، فوجد ريحها، فقال: «ألم أنهكم....؟!») الحديث، / فالكُرَّاث إن لم يُذكَر صريحًا في أحاديث الباب؛ فيمكن أن نقول: إنَّهُ مذكور دلالة، فإنَّ حديث جابرٍ الذي يأتي فيه: «وأنَّ النَّبِيَّ صلعم أُتِي بقِدر فيه خضراتٌ مِن بقولٍ، فوجد لها ريحًا....»؛ الحديث؛ يدلُّ على أنَّ من جملة الخضرات التي لها ريح هو الكُرَّاث، وهو أيضًا من البقول، فحينئذٍ تقع المطابقة بينه وبين قوله في الترجمة: (والكُرَّاثِ)، ووجود التطابق بين التراجم والأحاديث لا يلزم أن يكون صريحًا دائمًا، يظهر ذلك بالتأمُّل، وهذا التوجيه أقرب مِن قول هذا القائل: (كأنَّه أشار به إلى ما وقع في بعض طرق حديث جابرٍ ☺ )، وقوله: (وهذا أولى مِن قول بعضهم: إنَّهُ قاسه على البصل) أراد به صاحب «التوضيح»؛ فَإِنَّهُ قاله هكذا، وهذا أبعد مِن الذي قاله.
          فَإِنْ قُلْتَ: قوله: (من الجوع) لم يذكر صريحًا في أحاديث الباب.
          قُلْتُ: لِمْ يقع هذا إلَّا في كلام الصحابيِّ؛ وهو في حديث جابرٍ الذي ذكرناه الآن، وفيه: (فغلبتنا الحاجة)، ومن جملة الحاجة: الجوع، وأصرح منه ما وقع في حديث أبي سعيدٍ: «لم نعدُ أن فتحت خيبر، فوقعنا في هذه البقلة والناسُ جياعٌ...»؛ الحديث، رواه البَيْهَقيُّ، وزعم أنَّهُ عند مسلمٍ.
          قوله: (وَغَيْرِهُ) أي: وغير الجوع، مثل الأكل بالتَّشهِّي والتأدُّم بالخبز.