عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب كم التعزير والأدب؟
  
              

          ░42▒ (ص) بَابٌ كَمِ التَّعْزِيرُ وَالَادَبُ؟
          (ش) أي: هذا بابٌ فيه: (كَمِ التَّعْزِيرُ؟) وأشار بلفظ (كَم) إلى الخلاف في عدد التعزير على ما يجيء عن قريبٍ.
          و(التَّعْزِيرُ) مصدرٌ مِن عزَّر؛ بالتشديد، مأخوذٌ مِنَ العَزْرِ؛ وهو الرَّدُّ والمنع، واستُعمِلَ في الدفع عن الشخص؛ لدفع أعدائه عنه ومنعهم من إضراره، ومنه: عزَّره القاضي؛ إذا أدَّبه لئلَّا يعود إلى القبيح، ويكون بالقول والفعل بحسب ما يليق به المعزَّر.
          قوله: (وَالَادَبُ) بمعنى التأديب، وهو أعمُّ مِنَ التَّعزير، ومنه: تأديب الوالد وتأديب المعلِّم، وقال الأزهريُّ وأبو زيدٍ: الأدب: اسمٌ يقع على كلِّ رياضةٍ محمودةٍ يتخرَّج بها الإنسان في فضيلةٍ مِنَ الفضائل.
          واختلف العلماء في مبلغ التعزير على أقوال؛ أحدها: لا يُزاد على عشر جلداتٍ إلَّا في حدٍّ، وهو قول أحمد وإسحاق، والثاني: رُوي عن اللَّيث أنَّهُ قال: يحتمل ألَّا يتجاوز بالتعزير عشرة أسواطٍ، ويحتمل ما سوى ذلك، والثالث: ألَّا يبلغ فوق عشرين سوطًا، والرابع: ألَّا يبلغ أكثر مِن ثلاثين جلدةً، وهما مرويَّان عن عمر ☺ ، والخامس: قال الشافعيُّ في قوله الآخر: لا يبلغ عشرين سوطًا، والسادس: قال أبو حنيفة ومُحَمَّدٌ: لا يبلغ به أربعين سوطًا، بل ينقص منه سوطًا، وبه قال الشافعيُّ في قولٍ، والسابع: قال ابنُ أبي ليلى وأبو يوسف: أكثره خمسةٌ وسبعون سوطًا، والثامن: قال مالكٌ: التعزير ربَّما كان أكثر مِنَ الحدود إذا أدَّى الإمامَ اجتهادُه إلى ذلك، ورُوي مثله عن أبي يوسف وأبي ثور، والتاسع: قال اللَّيث: لا يتجاوز تسعةً وأقلَّ، وبه قال أهلُ الظاهر، نقله ابن حزمٍ، والعاشر: قال الطَّحَاويُّ: لا يجوز اعتبار التعزير بالحدود؛ لأنَّهم لا يختلفون أنَّ التعزيرَ موكولٌ إلى اجتهاد الإمام، فيخفِّف تارةً، ويشدِّد أخرى.