عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: البكران يجلدان وينفيان
  
              

          ░32▒ (ص) بَابٌ الْبِكْرَانِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ فيه: البكران يُجلَدان وينفيان، وهو تثنية بكرٍ، وهو الذي لم يجامع في نكاحٍ صحيحٍ، وإِنَّما ثنَّاه ليشمل الرجل والمرأة، فقوله: (البكران) مبتدأٌ، و(يُجْلَدَان) على صيغة المجهول خبره، وقد ورد خبرٌ بلفظ الترجمة أخرجه ابن أبي شَيْبَةَ مِن طريق الشعبيِّ عن مسروقٍ عن أُبَيِّ بْن كعب ☺ مثله.
          (ص) {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[النور:2-3].
          (ش) ساق في رواية كريمة إلى قوله: ({الْمُؤْمِنِينَ}) كما ذكرنا هنا، وفي رواية أبي ذرٍّ ساق مِن قوله: <{الزَّانِيَةُ}> إلى قوله: <{فِي دِينِ اللهِ}> ثُمَّ قال: <الآية> ثُمَّ إنَّهُ ذكر الآية الأولى لبيان أنَّ الجلد ثابتٌ / بكتاب الله ╡ ، وذكر الآية الثانية لتعلُّقها بما قبلها؛ وذلك لأنَّ قوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} يدلَّان على الجنسينِ المنافيين لجنسَي العفيفِ والعفيفة، ثُمَّ أشار إلى أنَّ هذا {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً} يعني: لا يرغب في نكاح الصوالح مِنَ النساء، وكذلك الزانية لا ترغب في نكاح الصُّلَحاء مِنَ الرجال.
          وسببُ نزول هذه الآية ما قاله مجاهد: إنَّهُ كان في الجاهليَّة نساء يزنينَ، فأراد ناسٌ مِن المسلمين نكاحهنَّ، فنزلت، وبه قال الزُّهْريُّ وقتادة، وعن سعيد بن المسيِّب: أنَّ هذه الآية منسوخةٌ بقوله تعالى: [{وَأَنْكِحُوا الَايَامَى مِنْكُمْ}[النور:32] والآية الأولى ناسخةٌ لقوله تعالى]: {وَاْللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ‌ مِنْ نِسَائِكُمْ} الآية[النساء:15] ولقوله: {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا}[النساء:16] فكلُّ مَن زنى منهما أوذي إلى الموت، قاله مجاهدٌ، وقال النحَّاس: لا خلاف في ذلك بين المفسِّرين.
          قوله: ({وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ}) أي: لا يأخذكم بسببهما رحمةٌ، والمعنى: لا تخفِّفوا العذاب، ولكن أوجعوهما.
          قوله: ({إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}) يعني: إن كنتم تصدِّقون بتوحيد الله وبالبعث الذي فيه جزاء الأعمال.
          قوله: ({طَائِفَةٌ}) اختلفوا في مبلغ عددها، فعن النَّخَعِيِ ومجاهدٍ: أقلُّه رجلٌ واحدٌ فما فوقه، وعن عطاءٍ وعِكرمة: رجلان فصاعدًا، وعن الزُّهْريِّ: ثلاثةٌ فصاعدًا، وعن ابن زيدٍ: أربعةٌ بعدد مَن يُقبَل شهادته على الزنى، وعن قتادة: نفرٌ مِنَ المسلمين، وقال الزَّجَّاج: لا يجوز أن تكون الطَّائفة واحدًا؛ لأنَّ معناها معنى الجماعة، والجماعة لا يكون أقلَّ مِن اثنين، وقال غيره: لا يمنع ذلك على قول أهل اللُّغة؛ لأنَّ معنى {طَائِفَة} قطعة، يقال: أكلت طائفةً مِنَ الشاة؛ أي: قطعة منها.
          (ص) قَالَ ابنُ عُيَيْنة: {رَأْفَةٌ} في إقامَةِ الحُدُودِ.
          (ش) أي: قال سفيان بن عُيَيْنة في تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ}[النور:2] يعني: رحمةٌ في إقامة الحدود، ويروى: <{رَأْفَةٌ} إقامة الحدود> بدون لفظة (في)، ويروى: <قَالَ ابن عُلَيَّة> بِضَمِّ العين المُهْمَلة وفتح اللَّام وتشديد الياء آخر الحروف، وعليه جرى ابن بَطَّالٍ، والمعتمد هو الَاوَّل، و(ابن عُلَيَّة) اسمه إسماعيل بن إبراهيم الأسديُّ البَصْريُّ، وعليَّة اسمُ أمِّه، مولاةٌ لبني أسد.