عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب نفي أهل المعاصي والمخنثين
  
              

          ░33▒ (ص) بَابُ نَفْيِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْمُخَنَّثِينَ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان نفي أهل المعاصي، وهو جمع (معصية).
          قوله: (وَالْمُخَنَّثِينَ) أي: وفي بيان نفي المخنَّثين، وهو جمع (مخنَّث) بتشديد النون المفتوحة وبكسرها، والفتح أشهر وهو القياس، مأخوذٌ مِن خنثتُ الشيءَ فتخنَّث؛ أي: عطفتُه فتعطَّف، ومنه سُمِّي المخنَّث، قاله الجَوْهَريُّ، وفي «المغرب»: تركيب «الخنث» يدلُّ على لينٍ وتكسُّرٍ، ومنه: المخنَّث، وهو المشبَّه في كلامه بالنساء تكسُّرًا وتعطُّفًا، وقال الكَرْمانيُّ: والغرض مِن ذكر هذا الباب هنا التنبيهُ على أنَّ التغريب على الذنب الذي لا حدَّ عليه ثابتٌ، وعلى الذي عليه الحدُّ بالطريق الأولى.
          قُلْت: يُفْهَم مِن هذا أنَّ مرتكبًا لمعصيةٍ مِنَ المعاصي يجوز نفيه، والترجمة أيضًا تدلُّ عليه، وقال بعض العلماء: لا يُنفَى إلَّا ثلاثةٌ: بكرٌ زانٍ، ومخنَّثٌ، ومحارِبٌ، والمخنَّث إذا كان يُؤتَى رُجِم مع الفاعل أحصنا أو لم يحصنا عند مالكٍ، وقال الشافعيُّ: إن كان غير محْصَن فعليه الحدُّ، وكذا عند مالكٍ إذا كانا كافرين أو عبدين، وقيل: يُرقى بالمرجوم على رأس جبلٍ ثُمَّ يُرمَى منكوسًا، ثمَّ يُتْبَع بالحجارة، وهو نوعٌ مِنَ الرجم وفعله جائزٌ، وقال أبو حنيفة: لا حدَّ فيه وإِنَّما فيه التعزير، وعند بعض أصحابنا: إذا تكرَّر يُقتَل، وحديث: «ارجموا الفاعل والمفعول به» متكلَّمٌ فيه، وقال بعض أهل الظاهر: لا شيء على مَن فعل هذا الصنيع، وقال الخَطَّابيُّ: هذا أبعدُ الأقوال مِنَ الصواب.