مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب احتيال العامل ليهدى له

          ░15▒ باب احتيال العامل ليهدى له
          ساق فيه حديث أبي حميد الساعدي في قصة ابن اللتبية الآتي قريباً في: الأحكام.
          وحديث عمرو بن الشريد السالف مختصراً، عن أبي رافع: ((الجار أحق بصقبه)).
          وقال بعض الناس: من اشترى داراً بعشرين ألف درهم.. إلى آخره، فأجاز هذا الخداع بين المسلمين، وقال النبي صلعم: ((بيع المسلم لا داء ولا خبثة ولا غائلة)).
          ثم ساق حديث عمرو بن الشريد، أن أبا رافع ساوم سعد بن مالك بيتاً.. إلى آخره.
          إذا وهب الواهب هبة وقبضها الموهوب له وحازها فهو مالك لها عند الجميع، والزكاة له لازمة، ولا سبيل له إلى الرجوع فيها إلا أن تكون على ابن، وهذه حيلة لا يمكن أن يخالف فيه نص الحديث؛ لأن الزكاة تلزم الابن في كل حول ما لم يقتصر منه، وإن كان صغيراً عند الحجازيين لأنه مالك، فإذا اغتصبها بعد حلول الحول عليها عند الموهوب له، وجبت الزكاة على الموهوب له، ثم يستأنف الراجع فيها حولاً من يوم رجوعه، وهذا لا خلاف فيه بين العلماء، فلا معنى للاشتغال بما خالفه.
          قال المهلب: والاحتيال في هذا خارج عن معنى الشريعة، ومن أراد أن يحتال على الشريعة حتى يسقطها، فلا يسمى محتالاً، وإنما هو معاند لحدود الله ومنتهك لها، فإذا كانت الهبة لغير الابن دخل الراجع فيها تحت الحديث: ((العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه)) ولا أعلم لحيلته وجهاً إلا إن كان يريد / أن يهبها ويحتال في حبسها عنده دون تحويز، فلا تتم حيلته في هذا إن وهبها لأجنبي؛ لأن الحيازة عنده شرط في صحة الهبة، فإن ثبتت عنده كانت على ملكه، ووجبت عليه زكاتها.
          وقدمنا وجه قوله: أن مذهبه الرجوع فيما وهبه لأجنبي، ولا يرجع فيما وهبه لابنه. وسلف في بابه حديث النعمان وغيره.
          وأما مسألة الشفعة فالذي اختاره أبو حنيفة فيها له وجه من الفقه، وذلك أن من [ير]يد شراء الدار خاف شفعة الجار، فسأل أبا حنيفة: هل من حيلة في إسقاطها؟ فقال: لو باع صاحب الدار منك جزءاً من مائة مشاعاً، ثم اشتريت منه بعد حين باقي الدار سقطت شفعة الجار.
          يريد: أن الشريك في المشاع أحق بالشفعة من الجار، وهذا إجماع من العلماء فلما اشترى أولاً الجزء اليسير صار شريكاً لصاحب الدار، إذ لم يرض الجار أن يشفع في ذلك الجزء اللطيف لقلة انتفاعه به، فلما عقد الصفقة في باقيها كان الجار لا شفعة له عليه؛ لأنه لو ملك ذلك الجزء اللطيف غيره لمنع الجار به من الشفعة، فلذلك يمنعه هو إذا اشترى باقيها من الشفعة، وهذا ليس فيه شيء من خلاف السنة(1).
          وإنما أراد (خ) أن يلزم أبا حنيفة التناقض؛ لأنه يوجب الشفعة للجار، ويأخذ في ذلك بحديث: ((الجار أحق بصقبه)) فمن اعتقد مثل هذا وثبت ذلك عنده من قضائه ◙، وتحيل بمثل هذه الحيلة في إبطال شفعة الجار فقد أبطل السنة التي يعتقدها.
          وفي حديث جابر: ((إذا وقعت الحدود فلا شفعة)) ما يرد قول من أجاز الشفعة للجار؛ لأن الجار قد حدد ماله من مال جاره، ولا اشتراك له معه، وهذا ضد قول من قال: الشفعة للجار، قوله: ((الشفعة فيما لم يقسم)) تنفي الشفعة في كل مقسوم.
          وحديث عمرو بن الشريد حجة في أن الجار المذكور في الحديث هو الشريك، وعلى ذلك حمله أبو رافع، وهو أعلم بمخرج الحديث، ومذهب مالك: أنه إذا كان لرجل بيت في دار فباعه فلا شفعة لصاحب الدار.
          وقال الداودي: إنما أراد حق الدار ليس الشفعة الواجبة؛ لقول الله تعالى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} [النساء:36].
          والصقب بالتحريك بالصاد والسين.
          قوله: (إما مقطعة وإما منجمة) وهما واحد؛ أي: يؤدى نجوماً نجوماً.
          وأما قول أبي حنيفة: إذا أراد أن يقطع الشفعة فيهب البائع للمشتري.. إلى آخره، وهذه حيلة في إبطال الشفعة كما قال ابن بطال لا يجيزها أحد من أهل العلم وهي منتقضة على أصل أبي حنيفة؛ لأن الهبة إن انعقدت للثواب فهي بيع من البيوع عند الكوفيين، ومالك وغيره، ففيها الشفعة، وإن كانت هبة مقبولة بغير شرط ثواب فلا شفعة فيها بإجماع، ومن عقد عقداً ظاهراً سالماً في باطنه والقصد فيه فساد فلا يحل عند أحد من العلماء.
          قال المهلب: وإنما ذكر (خ) في هذه المسألة حديث أبي رافع؛ ليعرفك إنما جعله رسول الله حقًّا للشفيع بقوله ◙: ((الجار أحق بصقبه)) فلا يحل إبطاله ولا إدخال حيلة عليه.
          وأما المسألة التي في آخر الباب: إن اشترى نصيب دار فأراد أن يبطل الشفعة، وهب لابنه الصغير ولا يكون عليه يمين، فشأنها أن يكون البائع شريكاً مع غيره في دار، فيقوم آخر فيشتري منها نصيباً ويهبه لابنه ولا يمين عليه.
          وإنما قال ذلك؛ لأن من وهب لابنه هبة فقد فعل ما يباح له فعله، والأحكام على الظاهر لا على التوهم، وادعاء الغيب على الثبات.
          وأما قول (خ) عن أبي حنيفة فإن استخفت الدار رجع المشتري إلى آخره، فهذا من أبي حنيفة دال أنه قصد الحيلة في الشفعة لأن الأمة مجمعة وأبو حنيفة معهم على أن البائع لا يرد في الاستحقاق، والرد بالعيب إلا ما قبض، فكذلك الشفيع لا يشفع إلا بما نقد المشتري وما قبضه منه البائع لا بما عقد. وأما قوله: لأن البيع حين استحق انتقض صرف الدينار، فلا يفهم؛ لأن الاستحاق والرد بالعيب يوجب نقض الصفقة كلها، فلا معنى له إذ الدينار دون عشرة.
          قال المهلب: وجه إدخال (خ) حديث: ((الجار أحق بصقبه)) في هذه المسألة، وهو أنه لما كان الجار أحق بالمبيع وجب أن يكون أحق أن يرفق به في الثمن حتى لا يغبن في شيء، ولا يدخله عنده عروض بأكثر من قيمتها، ألا ترى أن أبا رافع لم يأخذ من سعد ما أعطاه غيره من الثمن، ووهبه الجار الذي أمر الله / بمراعاته وحفظه وحض الشارع على ذلك.
          قوله ◙: (لا داء ولا خبثة ولا غائلة) دليل على أنه لا احتيال في شيء من بيوع المسلمين من صرف دينار بأكثر من قيمته ولا غيره. قال ابن التين: وقرأنا: خبثة بكسر الخاء، وحكي الضم أيضاً. قال الهروي: الخبثة: أن يكون البيع غير طيب، والغائلة: أن يأتي امرؤ امرأ من حيث لا يدري به كالتدليس ونحوه.
          قال المهلب: حيلة العامل ليهدي إليه إنما تكون بأن يضع من حقوق المسلمين في سعايته ما يعوضه من أجله الموضوع له، فكأن الحيلة إنما هي أن وضع من حقوق المسلمين ليستجزل لنفسه، فاستدل الشارع على أن الهدية لم تكن إلا لمعوض. فقال: ((فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدَى إليه أم لا؟)) فغلب الظنة وأوجب أخذ الهدية وضمها إلى أموال المسلمين.
          وفيه: أن الهدية إلى العامل سحت ولا تملك عندنا، وكذا الأمير في إمارته شكراً لمعروف صنعه أو تحبباً إليه؛ لأنه كآحاد المسلمين لا فضل له عليهم فيه، بولايته عليهم نال ذلك، فإن استأثر به فهو سحت، والسحت: كلما أخذه العامل والحاكم على إبطال حق أو تحقيق باطل، وكذلك ما يأخذه على القضاء بالحق.
          وروي عنه ◙: ((هدايا العمال وفي لفظ: الأمراء غلول)).
          والغلول بضم الغين معلوم أنه للموجعين، ولمن ذكر معهم، وعلى هذا التأويل كانت مقاسمة عمر بن الخطاب لعماله على طريق الاجتهاد؛ لأنهم خلطوا ما يجب لهم في عمالتهم بأرباح تجاراتهم وسهمانهم في الفيء، فلما لم يقف عمر على حقيقة مبلغ ذلك اجتهد فأخذ منه نصفه.
          وقد روي عن بعض السلف أنه قال: ما عدل من تجر في رعيته.
          وقد جعله عمر أيضاً في المال الذي دفعه أبو موسى الأشعري بالعراق من مال الله لابنيه عبد الله وعبيد الله، أراد عمر أن يأخذ منهم المال وربحه، قال عثمان: لو جعلته قراضاً؛ أي: خذ منهم نصف الربح. ففعل ورأى أن ذلك صواب.
          وقد جاء معاذ بن جبل من اليمن إلى الصديق بأعبد له أصابهم في إمارته على اليمن، فقال له عمر: ادفع الأعبد إلى أبي بكر فأبى معاذ من ذلك، ثم إن معاذاً رأى في المنام كأنه واقف على نار يكاد أن يقع فيها، وأن عمر أخذ بحجزيه، فصرفه عنها، فلما أصبح قال لعمر: ما ظني إلا أني أعطي الأعبد أبا بكر. فقال له: وكيف ذلك؟ قال: رأيت البارحة في النوم كذا، وما أظن ما أشرت به علي في الأعبد إلا تأويل الرؤيا فدفعها إلى الصديق. فرأى أبو بكر أن يردهم، فردهم فكانوا عند معاذ، فاطلع يوما فرآهم يصلون صلاة حسنة فأعتقهم.
          واختلف في تأويل قوله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42] فروي عن مسروق أنه سأل ابن مسعود عنه: أهو الرشوة في الحكم؟ فقال عبد الله: ذلك الكفر وقرأ: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] قال: ولكن السحت أن يستعينك الرجل على مظلمة إلى إمام فهدى لك هدية.
          وقال النخعي: كان يقال: السحت: الرشوة في الحكم. وعن عكرمة مثله.
          وقول أبي حميد: (بصر عيني وسمع أذني) أي: أبصرت عيناي رسول الله ناطقاً ورافعاً يديه، وسمعت كلامه.
          قال والدي ⌂:
          (باب في الهبة والشفعة).
          (الهبة) تمليك بلا عوض، و(الشفعة) تملك قهري في العقار بعوض يثبت على الشريك القديم للحادث.
          قوله: (فخالف الرسول صلعم) أي: خالف حديثه وهو العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه؛ أي: الحكم برجوعه مخالف للسنة.
          فإن قلت: فما مذهب الشافعي فيه؟ قلت: لا يجوز الرجوع إلا هبة الولد وذلك؛ لأنه وماله لأبيه ويوجب الزكاة على المتهب مدة المكث عنده.
          قوله: (أيوب السختياني) بفتح المهملة وسكون المعجمة وكسر الفوقانية وبالتحتانية وبالنون، و(مثل السوء) أي: الصفة الردية أي: لا رجوع وإلا فله الصفة المذمومة.
          قوله: (ما لم يقسم) أي: ملكاً مشتركاً مشاعاً بين الشركاء.
          وفيه: أن الشفعة للشريك لا للجار.
          و(صرفت) بالتخفيف والتشديد أي: منعت، وقال ابن مالك: أي خلصت وثبتت من الصرف وهو الخالص وقال فلا شفعة لأنه صار مقسوماً وصار في حكم الجوار وخرج عن الشركة.
          قوله: (الجوار) بالضم والكسر المجاورة يعني: أثبتت الشفعة للجار والحديث نفاه / ، و(ما شدده) بإعجام الشين وهو إثبات الشفعة للجار وأبطله حيث قال في هذه الصورة لا شفعة للجار في باقي الدار وناقض كلامه، و(إن اشترى) أي: إن أراد اشتراءه.
          قوله: (إبراهيم بن ميسرة) ضد: الميمنة الطائفي، و(عمرو بن الشريد) بفتح المعجمة وكسر الراء وبالتحتانية وبالمهملة الثقفي، و(المسور) بكسر الميم وإسكان المهملة وفتح الواو (ابن مخرمة) بفتح الميم والراء وسكون المعجمة، و(سعد) هو: ابن مالك المكنى بأبي وقاص القرشي أحد العشرة ♥، و(أبو رافع) ضد: الخافض اسمه أسلم القبطي مولى النبي صلعم، و(تأمر هذا) أي: سعداً.
          وفيه: أن الأمر لا يشترط فيه العلو ولا الاستعلاء.
          قوله: (أو منجمة) شك من الراوي أي: موظفة مؤقتة، و(النجم) الوقت المضروب المعين، و(الصقب) بفتح المهملة صاداً وسيناً وفتح القاف وسكونها وبالموحدة القريب والقرب.
          فإن قلت: هذا دليل أن الشفعة للجار؟ قلت: لا لأنه لم يقل بشفعته بل قال أحق بقريبه أي: بأن يتعهده ويتصدق عليه مثلاً مع أن هذا الحديث متروك الظاهر لأنه مستلزم أن يكون الجار أحق من الشريك وهو خلاف مذهب الحنفي مر في كتاب الشفعة.
          قوله: (قلت) أي قال علي بن المديني، قلت لسفيان أن معمراً لم يقل هكذا أي: بأن الجار أحق بل قال الشفعة بزيادة لفظ الشفعة فهو من الناسخ أو المراد لازم البيع وهو الإزالة وفي بعضها تقطع، و(يحدها) في بعضها: ونحوها، وهذا هو الأظهر قيل: وجهه أن الهبة إذا انعقدت للثواب فهي بيع من البيوع عند أبي حنيفة؛ أي: فلهذا قال الشفعة قطعت عنها، وأما عند الشافعي فليس محلًّا للشفعة أصلاً حتى يصح الانقطاع والأحكام على الظواهر قيل وذكر (خ) في هذه المسألة حديث أبي رافع ليعرفك أن ما جعله صلعم حقًّا للشفيع لقوله: الجار أحق لا يحل إبطاله.
          قوله: (الصغير) إنما قيد به دفعاً لليمين مطلقاً، إذ لو كان كبيراً توجه عليه اليمين.
          قوله: (عبيد) مصغراً، و(أبو حميد) بضم الحاء عبد الرحمن الساعدي بكسر المهملة الوسطانية، و(بنو سليم) تصغير السلم، و(ابن اللتبية) بضم اللام وسكون الفوقانية وبالموحدة وياء النسبة عبد الله وقيل: بفتح الفوقانية وقيل بالهمزة المضمومة بدل اللام.
          قوله: (لا أعرفن) نهي للمتكلم صورة وفي المعنى للأخذ نحو لا أرينك هاهنا فإنه نهي للمخاطب عن القرآن لا للمتكلم عن الرؤية، وفي بعضها: لأعرفن أي والله لأعرفن، و(الرغاء) صوت ذوات الخف، و(تيعر) بالكسر وقيل: بالفتح من اليعار صوت الشاة مر الحديث في كتاب الزكاة.
          قوله: (بصر) بلفظ الماضي فهو قول أبي حميد الراوي له. وقال القاضي عياض: ضبط أكثرهم بسكون الصاد والميم وفتح الراء والعين مصدرين مضافين فهو مفعول بلغت وهو مفعول رسول الله صلعم قالوا: احتيال العامل هو بأن ما أهدي له في عمالته يستأثر به ولا يضعه في بيت المال وهدايا الأمراء والعمال هي من جملة حقوق المسلمين.
          قوله: (إن اشترى داراً) أي: أراد الاشتراء، و(أخذها) بصيغة الماضي، و(استحقت) بلفظ المجهول، و(لأن البيع) أي: المبيع (حين استحق بطل بيع الصرف) أي: بيع الدراهم الباقية بالدينار؛ لأن ذلك البيع كان مبنيًّا على شرى الدار، وهو منفسخ المبنى عليه لا سيما ويلزم عدم التقابض في المجلس فليس له أن يأخذ إلا ما أعطاه ودفع إليه وهي الدراهم والدنانير بخلاف الرد بالعيب فإن البيع صحيح وهو يفسخ باختيار وقد وقع بيع الصرف أيضاً صحيحاً فلا يلزم من فسخ ذلك بطلان هذا.
          قوله: (الخداع) أي: الحيلة في إيقاع الشريك في الغبن أي: أخذ الشفعة وإبطال حقه بسبب الزيادة في الثمن باعتبار العقد لو تركها وذكر مسألة الاستحقاق لبيان أنه كان قاصداً للحيلة ومسألة العيب لبيان أنه مع ذلك ليحكم فيه أيضاً، إذ مقتضاها أنه لا يرد إلا ما قبضه لا زائداً / عليه كما في صورة الاستحقاق.
          فإن قلت: ما الغرض في جعل الدينار في مقابلة عشرة آلاف درهم ولم يجعله في مقابلة العشرة فقط؟ قلت: رعاية لنكتة وهي أن الثمن بالحقيقة عشرة آلاف بقرينة نقده هذا المقدار فلو جعل العشرة والدينار في مقابلة الثمن الحقيقي لزم الربا بخلاف ما إذا نقص درهم كان الدينار في مقابلة ذلك الواحد والألف إلا واحد في مقابلة الألف إلا واحد فلا مفاضلة.
          فإن قلت: هذا الفرع مع ما بعده إلى آخر الباب ومع الحديث الذي قبله موضعه المناسب قبل باب احتيال العامل؛ لأنه من بقية مسائل الشفعة وتوسيط ذلك الباب بينهما أجنبي؟ قلت: لعله من جملة تصرفات النقلة عن الأصل ولعله كان في الحاشية ونحوها فنقلوه إلى غير مكانه أو باعتبار أنه لما جعل الترجمة مشتركة بينهما حيث قال: ((باب في الهبة والشفعة)) لم يفرق بين مسائلها.
          قوله: (خبثة) بكسر الخاء أي: لا يكون مما لا يجوز بيعه، و(الغائلة) الهلاك؛ أي: لا يكون فيه هلاك مال المشتري مر في كتاب البيع أنه صلعم كتب هذا ما اشترى محمد رسول الله من العداء بفتح المهملة الأولى وشدة الثانية وبالمد ابن خالد بيعُ المسلم المسلمَ لا داء ولا خبثة ولا غائلة، وفي (ت) هذا ما اشترى العداء من محمد، وهذا دليل على أن الاحتيال في شيء من بيوع المسلمين من صرف دينار بأكثر من قيمته ونحوه.
          قوله: (ساوم) أي: عين الثمن وبايعه، و(سعد بن مالك) هو ابن أبي وقاص ووجه ذكر هذا الحديث هنا الإشعار بأنه لما كان الجار أحق بالمبيع وجب أن يكون أحق بأن يرفق به في الثمن ألا ترى أن أبا رافع لم يأخذ من سعد وأعطاه غيره من الثمن بحق الجوار الذي أمر الله بمراعاته.
          الزركشي:
          (بصر عيني وسمع أذني) بسكون الصاد والميم وفتح الراء والعين عند أكثرهم، قال سيبويه: العرب تقول: سمع أذني زيداً ورأى عيني، تقول ذلك بضم آخرها، قال القاضي: وأما الذي في كتاب الحيل فوجهه النصب على المصدر؛ لأنه لم يذكر المفعول بعده.
          وحديث الشفعة سبق في البيوع (ابن اللتبية) سبق في الزكاة (لا داء ولا خبثة) سبق في البيوع.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: كونه لم يرض.. إلى آخره، ليس وجهاً في منع الشفعة وإنما الغرض أن يحتال حيلة يمنع الجار من الشفعة، فتأمله)).