مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب في الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق

          ░3▒ بابٌ في الزكاة وأن لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق
          ثم ساقه من حديث أنس وسلف في الزكاة.
          ثم ساق حديث طلحة بن عبيد الله إلى قوله: ((أفلح إن صدق)) وسلف.
          وقال بعض الناس: في عشرين ومائة بعير حقتان فإن أهلكها متعمداً.. إلى آخره.
          ثم ساق حديث أبي هريرة: ((يكون كنز أحدكم يوم القيامة)) الحديث. وقال بعض الناس في رجل له إبل فخاف أن تجب عليه الصدقة.. إلى آخره.
          ثم ساق حديث ابن عباس أنه قال: استفتى سعد بن عبادة الأنصاري رسول الله في نذر كان على أمه.. إلى آخره.
          وقال بعض الناس: إذا بلغت الإبل عشرين ففيها أربع شياه.. إلى آخره.
          حاصل ما حكاه (خ) عن أبي حنيفة وهو المراد به بعض الناس ثلاثة أقوال في الفرار من الزكاة، وذلك أن أبا حنيفة قال: إن نوى بتفويته الفرار من الزكاة قبل الحول بيوم، لم تضره النية؛ لأن ذلك لا يلزمه إلا بتمام الحول، ولا يتوجه إليه معنى قوله ◙: ((خشية الصدقة)) إلا حينئذ.
          وقد قام الإجماع على جواز التصرف قبل حلول الحول بالبيع والهبة والذبح، إذا لم ينو الفرار من الزكاة، وقام الإجماع أيضاً على أنه إذا حال الحول، وأطل الساعي أنه لا يحل التحيل للنقصان في أن يفرق بين مجتمع أو يجمع بين متفرق.
          وقال مالك: إذا فرق من ماله شيئاً ينوي به الفرار من الزكاة قبل الحول بشهر أو نحوه، لزمه الزكاة حين الحول آخذاً بقوله: ((خشية الصدقة)).
          وقصد (خ) في الباب أن يعرفك أن كل حيلة يتحيل بها أحد في إسقاط الزكاة فإن إثم ذلك عليه؛ لأنه ◙ لما منع من الجمع والتفريق خشية الصدقة فهم منه هذا المعنى، وفهم من قوله: ((أفلح إن صدق)) أنه من رام أن ينقص شيئاً من فرائض الله بحيلة يحتالها أنه لا يفلح ولا يقوم له بذلك عذر عند الله.
          فما أجاز الفقهاء من تصرف صاحب المال قرب حلول الحول فلم يريدوا به الفرار من الزكاة، ومن نوى ذلك فالإثم عنه غير ساقط والله حسيبه وهو كمن فر من صيام رمضان بسفر؛ رغبة عن الفرض فالوعيد إليه متوجه، ألا ترى عقوبة من منع الزكاة يوم القيامة في حديث أبي هريرة في الباب وغيره من الأحاديث السالفة في الزكاة، فهذا يدل أن الفرار منها لا يحل، وهو مطالب بذلك في الآخرة.
          وحديث ابن عباس في النذر حجة أيضاً في ذلك؛ لأنه إذا أمره بقضاء النذر عن أمه حين فاتها القضاء، دل ذلك على أن الفرائض المهروب عنها أوكد من النذر.
          وإذا بيعت الغنم بغنم، فإن مالكاً وأكثر العلماء يقولون: إن الثانية على حول الأولى؛ لأن الجنس واحد والنصاب واحد والمأخوذ واحد. قال الشافعي في أحد قوليه: يستأنف بالثانية حولا وليس بشيء(1).
          وأما إن باع غنماً ببقر أو بإبل، فأكثر العلماء على الاستئناف بما يأخذ حولاً؛ وأنه باع دنانير بدراهم؛ لأن النصاب في الإبل والبقر مخالف للغنم وكذلك المأخوذ.
          ومذهبنا: أن الحيلة في الفرار من الزكاة مكروهة كراهية تنزيه. وأما الغزالي فقال في ((بسيطه)): إنها تحريم.
          تنبيه: وقع في ابن التين أن (خ) إنما أتى بقوله: مانع الزكاة؛ ليدل أن الفرار من الزكاة لا يحل، فهو مطالب بذلك في الآخرة، وهذا لم نره في (خ) فاعلمه.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول قوله ليس بشيء فيه نظر فإن في الروضة لو تأول ماشية بماشية من جنسها أو من غيره استأنف كل واحد منهما الحول فقوله ليس بشيء ليس بشيء)).