مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب [حكم الحاكم لا يحل حرمًا ولا يحرم حلالًا]

          ░10▒ بابٌ
          ساق فيه حديث زينب، عن أم سلمة، عن رسول الله: ((إنما أنا بشر،..))، الحديث.
          احتج (خ) في هذا الباب على أبي حنيفة، ورد قوله أن الجارية للغاصب إذا وجدها ربها. واعتل أبو حنيفة بأنه إذا أخذ قيمتها من الغاصب فلا حق له فيها؛ لأنه لا يجمع الشيء وبدله في شيء واحد أبداً، والصحيح ما ذهب إليه (خ)، وهو قول مالك والشافعي وأبي ثور أن صاحبها مخير بين أن يرد القيمة ويأخذها، وبين أن يمسك القيمة ويتركها، وهذا إذا أخفاها، وزعم أنها ماتت، دون مالك، فقال: إن وجدها ربها عند مشتريها من الغاصب لم تتغير فهو مخير بين أخذها أو قيمتها يوم الغصب أو الثمن الذي باعها به الغاصب، وإن وجدها عند الغاصب لم تتغير، وهي أحسن مما كانت يوم غصبها، ولم يكن جحدها الغاصب، ولا حكم عليه بقيمتها فليس له إلا أخذها ولا يأخذ قيمتها. هذا قوله في ((المدونة)) وهو مشهور مذهبه.
          والحجة لمن خالف أبا حنيفة بيان الشارع: أنه ((لا يحل مال مسلم إلا عن طيب نفس منه))، وأن حكم الحاكم لا يحل ما حرم الله ورسوله، لقوله ◙: ((فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار)).
          وقول أبو حنيفة: إن القيمة ثمن. ليس كذلك؛ لأن القيمة إنما وجبت؛ لأن الجارية متلفة لا يقدر عليها، فلما ظهرت وجب له أخذها؛ لأن أخذ القيمة ليس ببيع ليس يبيع بائعه به، وإنما أخذها؛ لهلاكها، فلما زال ذلك وجب الرجوع إلى الأصل الذي كان عليه وهو تسليم الجارية إلى صاحبها.
          وقد فرق أهل العلم بين القيمة والثمن، فجعلوا القيمة في الشيء المستهلك وفي البيع الفاسد، وجعلوا الثمن في الشيء القائم، والفرق بين البيع الفاسد والغصب أن البائع قد رضي بأخذ الثمن عوضا من سلعته، وأذن للمشتري في التصرف فيها، وإنما جهل السنة في البيع، فإصلاح هذا البيع أن يأخذ قيمة السلعة إن كانت، والغاصب غصب ما لم يأذن له فيه ربه، وما له فيه رغبة، فلا يحل تملكه للغاصب بوجه من الوجوه إلا أن يرضى المغصوب منه بأخذ قيمته.
          وقد ناقض أبو حنيفة في هذه المسألة فقال: إن كان الغاصب حين ادعى رب الجارية قيمتها كذا وكذا جحد ما قال، وقال: قيمتها كذا وكذا / وحلف عليه، ثم قدر على الجارية كان ربها بالخيار إن شاء سلمها بالقيمة وإن شاء أخذها ورد القيمة؛ لأنه لم يف بالقيمة التي ادعاها ربها، وهذا ترك منه لقوله: ولو كانت القيمة ثمناً ما كان لرب الجارية الخيار فيما معناه البيع؛ لأن الرجل لو باع ما يساوي خمسين ديناراً بعشرة دنانير كان بيعه لازماً، ولم يجعل له رجوع، ولا خيار.
          قوله: (ألحن بحجته) أي: أفطن، مأخوذ من اللحن بالتحريك، يقال: لحن بالكسر، واللحن بالسكون: الخطأ، يقال منه: لحن بالفتح؛ أي: أخطأ.